الملل ، ومن أراد معرفة ذلك فليقف على مقالاتهم في كتب أهل المقالات ، «كالمقالات الكبرى» للأشعرى ، «والآراء والديانات» للنوبختى ، وغير ذلك. وأما المتكلمون فاضطرابهم في هذا الباب من أشد اضطراب.
فتأمل اضطراب فرق الشيعة والخوارج والمعتزلة وطوائف أهل الكلام ، وكل منهم يدعي أن صريح العقل معه ، وأن مخالفه قد خرج عن صريح العقل ، ونحن نصدق جميعهم ، ونبطل عقل كل فرقهم بعقل الأخرى ثم نقول للجميع : بعقل من منكم يوزن كلام الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم؟ فما وافقه قبل وأقر عليه ، وما خالفه أول أو فوّض إلى عقولكم : أعقل أرسطو وشيعته : أم عقل أفلاطون أم فيثاغورس ، أم بقراط ، أم الفارابي ، أم ابن سينا ، أم محمد بن زكريا ، أم ثابت بن قرة ، أم جهم بن صفوان (١) ، أم النظام (٢) ، أم العلاف ، أم الجبائي ، أم بشر المريسي ، أم الإسكافي؟
__________________
(١) جهم بن صفوان : وإليه تنسب الجهمية ، الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أن الجنة والنار تفنيان وتبيدان ، وزعم أيضا أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط ، وأن الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالين ، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، وقد تقدم في أول الكتاب الكلام عليه وعلى جماعته.
(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار المعروف بالنظّام ، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف ، ومنه أخذ الاعتزال ، وهو شيخ الجاحظ ، وهو معدود من أذكياء المعتزلة وذوي النباهة فيهم ، وقد أداه ذكاؤه المتوقد وبيانه المتدفق واطلاعه على الكثير من كتب الفلاسفة الطبيعيين والإلهين إلى أن ذهب المذهب الذي أنكره عليه عامة المسلمين.
جمع بين مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملاحدة ودونه في دين الإسلام ، وأعجب بوقل البراهمة بإبطال النبوات ، وقد صنف كثير من أهل السنة بل والمعتزلة التصانيف في تكفيره والرد على زندقته.
وللمزيد انظر (الفرق بين الفرق / ٩٣ ، والنجوم الزاهرة : ٢ / ٢٣٤ ، واعتقادات فرق المسلمين / ص ٤١ ، وطبقات المعتزلة / ص / ٤٩).