أم توصون بعقول المتأخرين الذين هذبوا العقليات ، ومخضوا زبدتها واختاروا لأنفسهم ، ولم توصوا بعقول سائر من تقدم؟ فهذا أفضلهم عندكم محمد ابن عمر الرازي ، فبأى معقولاته تزنون نصوص الوحي وأنتم ترون اضطرابه فيها في كتبه أشد اضطراب ولا يثبت على قول؟ (١).
أم ترضون عقول القرامطة والباطنية والإسماعيلية ، أم عقول الاتحادية؟ فكل هؤلاء وأضعاف أضعافهم يدعى أن العقل الصريح معه. وأن مخالفيه خرجوا عن صحيح المعقول ، وهذه عقولهم تنادي عليهم ، ولو لا الإطالة لعرضناها على السامع عقلا ، وقد عرضها المعتنون بذكر المقالات. وهذه العقول إنما تفيد الريب والشك والحيرة والجهل المركب.
__________________
وعد ابن الجوزي النظامية من فرق القدرية وقال : تبعوا إبراهيم النظام في قوله : من زعم أن الله شيء فهو كافر.
(١) وقال الوزير محمد بن إبراهيم : وهذا الإمام الرازي سلطان العلماء وحجة الحكماء ، وفخر الملة وشعلة الذكاء ، فيلسوف الإسلام بعد أن انتهج الطرق الفلسفية وسلك المسالك الخفية ينشد في كتاب «النهاية» :
العلم للرحمن جل جلاله |
|
وسواه في جهالاته يتغمغم |
أين التراب من العلوم وإنما |
|
يسعى ليعلم أنه لا يعلم |
وينشد فيه أيضا :
نهايات أقدام العقول عقال |
|
وأكثر سعي العالمين ضلال |
ويقول في وصيته التي مات عليها : ولقد اجتربت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم ، ولأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى ، ويمنع من التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية وقد قال بعضهم :
وكم في البرية من عالم |
|
قوى الجدال دقيق الكلم |
سعى في العلوم فلما يفد |
|
سوى علمه أنه ما علم |