أنبأهم من أنباء الغيب بما يشاء ، وأطلعهم منها على ما لم يطلع عليه غيرهم كما قال تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) (آل عمران : ١٧٩) وقال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (الجن : ٢٦ ـ ٢٧) ، وقال تعالى (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (الحج : ٧٥) فهو سبحانه يصطفى من يطلعه من أنباء الغيب على ما لم يطلع عليه غيره.
ولذلك سمى (نبيا) من الإنباء ، وهو الإخبار ، ولأنه مخبر من جهة الله ومخبر عنه فهو منبأ ، ومنبئ. وليس كل ما أخبر به الأنبياء يمكن معرفته بدون خبرهم بل ولا أكثره. ولهذا كان أكمل الأمم علما أتباع الرسل ، وإن كان غيرهم أحذق منهم في علم النجوم والهندسة ، وعلم الكم المتصل والمنفصل ، وعلم النبض والقارورة والأبوال ومعرفة قوامها ، ونحوها من العلوم التي لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم بها وآثروها على علوم الرسل ، وهي كما قال الواقف على نهايتها : «ظنون كاذبة ، وإن بعض الظن إثم» وهي علوم غير نافعة ، فنعوذ بالله من علم لا ينفع ؛ وإن نفعت فنفعها بالنسبة إلى علوم الأنبياء كنفع العيش العاجل بالنسبة إلى الآخرة ودوامها.
(العلم النافع هو ما أخبرت به الرسل)
فليس العلم في الحقيقة إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عزوجل طلبا وخبرا فهو العلم المزكي للنفوس المكمل للفطر ، المصحح للعقول الذي خصه [الله] باسم العلم ، وسمى ما عارضه ظنا لا يغني من الحق شيئا وخرصا وكذبا فقال تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (آل عمران : ٦١) وشهد لأهله أنهم أولو العلم فقال سبحانه وتعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) (الروم : ٥٦) ، وقال تعالى :