استطال على هؤلاء الملاحدة ابن سيناء وأتباعه غاية الاستطالة ، وقالوا : القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص الصفات ، قالوا : بل الأمر فيها أسهل من نصوص الصفات ، لكثرتها وتنوعها وتعدد طرقها ، وإثباتها على وجه يتعذر معه التأويل. فإذا كان الخطاب جمهوريا فنصوص المعاد أولى (١).
قال : فإن قلتم : نصوص الصفات قد عارضها ما يدل على انتفائها من العقل. قلنا : ونصوص المعاد قد عارضها من العقل ما يدل على انتفائها. ثم ذكر العقليات المعارضة للمعاد ما يعلم به العاقل أن العقليات المعارضة للصفات من جنسها أو أضعف منها.
المقام الثالث : مقام أهل التأويل ، قالوا : لم يرد منا اعتقاد حقائقها ، وإنما أريد منا تأويلها بما يخرجها عن ظاهرها وحقائقها ، فتكلفوا لها وجوه التأويلات المستكرهة ، والمجازات المستنكرة التي يعلم العقلاء أنها أبعد شيء عن احتمال ألفاظ النصوص لها ، وأنها بالتحريف أشبه منها بالتفسير.
والطائفتان اتفقتا على أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يبين الحق للأمة في خطابه لهم ولا أوضحه ، بل خاطبهم بما ظاهره باطل ومحال ، ثم اختلفوا ، فقال أصحاب
__________________
(١) الإلحاد : هو الميل والعدول ، والإلحاد في أسماء الله وصفاته : الميل بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها إلى الإشراك والتعطيل والكفر ، وأقسامه خمسة :
أولا : تسميته بما لا يليق بجلاله وعظمته كتسمية النصارى له أبا ، والفلاسفة له موجبا بذاته ، أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك.
ثانيا : أن يسمى بها بعض المخلوقات كتسميتهم اللات من الإله ، واشتقاقهم العزى من العزيز.
ثالثا : وصفه بما يتقدس ويتنزه عنه كقول اليهود قبحهم الله ولعنهم : إن الله فقير وقولهم : يد الله مغلولة ونحو ذلك.
رابعا : تعطيل الأسماء عن معانيها ، وجحد حقائقها كقول من يقول : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معانى.
خامسا : تشبيه صفاته بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه. أفاده الشيخ عبد العزيز السلمان في (مختصر الأسئلة ص / ٣٢).