ضرورة تصديقه الإيمان بعموم رسالته. ويقال للآخر : إن كان رسول الله في العمليات وأنها حق من عند الله ، فهو رسوله في العلميات ؛ فإنه أخبر عنه بهذا وهذا.
الثامن والعشرون : وهو إنك إذا جعلت العقل ميزانا ، ووضعت في إحدى كفتيه كثيرا من الأمور المشاهدة المحسوسة التي ينالها العيان ، ووضعت في الكفة الأخرى الأمور التي أخبرت بها الرسل عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وجدت ترجيحه لهذه الكفة فوق ترجيحه للتي قبلها وتصديقه بها أقوى ، ولو لا الحس والمشاهدة يمنعه من إنكار ذلك لأنكره ؛ هذه دعوى نعلم أنك تتعجب ممن يدعيها وتنسبه إلى المجازفة وقلة التحصيل. ولعمر الله أن مدعيها ليعجب من إنكارك لها وتوقفك فيها بعد البيان.
فنقول ، وبالله التوفيق : أنسب إلى العقل ، حيوان يرى ويسمع ويحس ويتكلم ويعمل ، فغشيه أمر ألفاه كأنه خشبة لا روح فيها وزال إحساسه وإدراكه ، وتوارى عنه سمعه وبصره وعقله ، بحيث لا يعلم شيئا ، فأدرك في هذه الحالة من العلوم العجيبة والأمور الغائبة ما لم يدركه حال حضور ذهنه ، واجتماع حواسه ووفور عقله ، وعلم من أمور الغيب المستقبلة ما لم يكن له دليل ولا طريق إلى العلم به.
وانسب إليه أيضا حيوان خرج من إحليله مجة ماء مستحيلة عن حصول الطعام والشراب كالمخطة ؛ فامتزجت بمثلها في مكان ضيق فأقامت هناك برهة من الدهر فانقلبت دما قد تغير لونها وشكلها وصفاتها ، فأقامت كذلك مدة ، ثم انقلبت بعد ذلك قطعة لحم ؛ فأقامت كذلك مدة ، ثم انقلبت عظاما وأعصابا وعروقا وأظفارا مختلفة الأشكال والأوضاع ، وهي جماد لا إحساس بها ، ثم عادت حيوانا يتحرك ويتغذى وينقلب. ثم أقام ذلك الحيوان في مكانه لا يجد فيه منفسا وهو داخل أوعية بعضها فوق بعض ، ثم انفتح له باب يضيق عنه مسلك الذكر لا يسلكه إلا بضغطة ، فوسع له ذلك الباب حتى خرج منه.
وانسب إليه أيضا : بقدر الحبة ترسله في مدينة عظيمة من أعظم المدن فيأكل المدينة وكل من فيها ثم يقبل على نفسه فيأكلها ؛ وهو النار.