كون الصانع جسما ، ولا اثبات كونه عالما ولا قادرا ولا ربا. ونقتصر من هذه الجملة على بيان عجزهم عن إثبات وجوده سبحانه وتعالى ، فضلا عن تنزيهه عن صفات كماله فنقول :
المعارض بين العقل والنقل في الأصل هم الزنادقة المنكرون للنبوة وحدوث العالم والمعاد ؛ ووافقهم في هذا الأصل الجهمية المعطلة لصفات الرب تعالى وأفعاله ، والطائفتان لم تثبت للعالم صانعا البته. فإن الصانع الذي أثبتوه وجوده مستحيل فضلا عن كونه واجب الوجود قديما. أما الزنادقة الفلاسفة فإنهم أثبتوا للعالم صانعا لفظا لا معنى ، ثم لبسوا على الناس وقالوا إن العالم صنعه وفعله وخلقه ثم وهو في الحقيقة عندهم غير مصنوع ولا مخلوق ولا مفعول ، ولا يمكن على أصلهم أن يكون العالم مخلوقا ولا مفعولا.
قال أبو حامد : وذلك لثلاثة أوجه ، وجه في الفاعل ، ووجه في الفعل ، ووجه في نسبة مشتركة بين الفعل والفاعل. أما الذي في الفاعل فهو أنه لا بد أن يكون مريدا مختارا عالما بما يريده حين يكون فاعلا لما يريده ، والله تعالى عندهم ليس مريدا ، بل لا صنعة له أصلا ، وما يصدر عنه فيلزم لزوما ضروريا. والثاني أن العالم قديم عندهم والفعل هو الحادث. والثالث أن الله تعالى واحد من كل وجه ، والواحد عندهم لا يصدر عنه إلا واحدا ، والعالم مركب من خلفات ، فكيف يصدر عنه؟
قال : ولنحقق وجه كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة مع حالهم في دفعة فنقول الفاعل عبارة عما يصدر عنه الفعل مع الإرادة للفعل على سبيل الاختيار ، مع العلم بالمراد ، وعندهم أن العالم مع الله كالمعلول مع العلة ، يلزم لزوما ضروريا لا يتصور مع الله تعالى دفعه ، لزوم الظل للشخص والنور للشمس ، وليس هذا من الفعل في شيء. بل من قال إن السراج يفعل الضوء ، والشخص يفعل الظل ، فقد جاوز وتوسع في التجاوز توسعا خارجا عن الحد ، واستعار اللفظ واكتفى بوقوع المشاركة بين المستعار منه في صف واحد ، وهو أن الفاعل سبب على الجملة والسراج سبب للضوء والشمس سبب للنور ، والفاعل