لم يسم فاعلا صانعا بمجرد كونه سببا ، بل لكونه سببا على وجه الإرادة والاختيار ، حتى لو قال قائل : الجدار ليس بفاعل ، والحجر ليس بفاعل ، والجماد ليس بفاعل ، وإنما الفعل للحيوان ، لم ينكر ذلك عليه ولم يكن قوله كذبا. وللحجر فعل عندهم ، وهو الهوي إلى أسفل والميل إلى المركز ، كما أن للنار فعلا ، وهو التسخين ، وللحائط فعلا وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل ، لأن ذلك صادر عنه ، وهذا محال.
قال ، فإن قيل : كل موجود ليس بواجب الوجود لذاته بل هو موجود لغيره فإنا نسمى ذلك الشيء مفعولا ، ونسمى سببه فعلا ولا نبالي ، كان المسبب فاعلا بالطبع أو بالإرادة ، كما أنكم لا تبالون إن كان فاعلا بآلة أو بغير آلة ، بل الفعل جنس ينقسم إلى ما يقع بآلة وإلى ما يقع بغير آلة ، وكذلك هو جنس ينقسم إلى ما يقع بالطبع وإلى ما يقع بالاختيار ، بدليل أنا لو قلنا فعل بالطبع لم يكن قولنا فعل بالطبع ضدا لقولنا فعلا ، ولا رفعا له ، ولا نقضا له ، بل بيانا لنوع الفعل ، كما إذا قلنا : فعل مباشر بغير آلة لم يكن نقضا ، بل كان تنويعا وبيانا ، وإذا قلنا فعل بالاختيار لم يكن تكرارا بل كان بيانا لنوع الفعل. كقولنا فعل بآلة ، ولو كان قولنا فعل يتضمن الإرادة وكانت الإرادة ثابتة للفعل من حيث أنه فعل لكان قولنا فعل وما فعل.
قلنا هذه التسمية فاسدة ، فلا يجوز أن يسمى كل سبب بأي فعل كان فاعلا ولا كل سبب مفعولا. ولو كان ذلك ما صح أن يقال : الجماد لا فعل له وإنما الفعل للحيوان. وهذه من الكلمات المشهورة الصادقة. فإن سمي (الجماد) فاعلا فبالاستعارة كما يسمى طالبا مريدا على سبيل المجاز. ويقال : الحجر يهوي. لأنه يريد المركز ويطلبه ، والطلب والإرادة هنا حقيقة ، لأنه لا يتصور إلا مع العلم المراد المطلوب ، فلا يتصور إلا من الحيوان. وأما قولكم : إن قولنا فعل عام وينقسم إلى ما هو بالطبع وإلى ما هو بالإرادة غير مسلّم. وهو كقول القائل : قولنا أراد عام. وينقسم إلى من يريد مع العلم بالمراد. وإلى من يريد