ولا يعلم ما يريد. وهو فاسد. إذ الإرادة تتضمن العلم بالضرورة. وكذلك الفعل يتضمن الإرادة بالضرورة.
وأما قولكم : إن قولنا فعل بالطبع ليس بنقض للأول فليس كذلك فإنه نقض له من حيث الحقيقة. ولكنه لا يسبق إلي الفهم التناقض ولا يشتد نفور الطبع عنه فإنه لما أن كان سببا موجبا والفاعل أيضا سببا سمى فعلا مجازا. وإذا قال فعل بالاختيار فهو تكوين على التحقيق. كقوله : أراد. وهو عالم بما أراد إلا أنه لما تصور أن يقال : فعل وهو مجاز ، ويقال : فعل وهو حقيقة لن تنفر النفس عن قوله : فعل بالاختيار. وكان معناه فعل حقيقيا لا مجازيا. كقول القائل : تكلم بلسانه ، ونظر بعينه ، فإنه لما جاز أن يستعمل النظر في القلب مجازا ، والكلام في تحريك الرأس واليد مجازا ، لم يستقبح أن يقال : قال بلسانه ونظر بعينه ، ويكون معناه نفي احتمال المجاز. فهذه مزلة القدم.
(فإن قيل) فتسمية الفاعل فاعلا إنما يعرف من اللغة ، وإلا فقد ظهر في العقل أن ما يكون سببا للشيء ينقسم إلى ما يكون مريدا وإلى ما لا يكون ، فوقع النزاع في أن اسم الفاعل يقع على كل من القسمين حقيقة أم لا ، إذ العرب تقول : النار تحرق ، والثلج يبرد ، والسيف يقطع ، والخبز يشبع ، والماء يروي وقولنا يقطع معناه يفعل القطع ، وقولنا يحرق معناه يفعل الإحراق. فإن قلتم ، إن ذلك مجاز ، فأنتم متحكمون (قال : والجواب) إن ذلك طريق ، إنما الفعل الحقيقي ما يكون بالإرادة ، والدليل عليه أنا لو فرضنا حادثا توقف حصوله على أمرين أحدهما إرادي والآخر غير إرادي ، أضاف العقل الفعل إلى الإرادي ، فكذا اللغة فإن من ألقى إنسانا في نار فمات يقال هو القاتل دون النار حتى إذا قيل ما قتله إلا فلان كان صدقا ، وإذا كان اسم الفاعل المريد وغير المريد على وجه واحد لا بطريق كون أحدهما أصلا والآخر مستعارا ، فلم يضف القتل إلى المريد لغة وعرفا وعقلا مع أن النار هي العلة القريبة في العقل ، وكان الملقي لم يتعاط إلا الجمع بينه وبين النار ولكن لما كان الجمع بالإرادة وتأثير النار بغير إرادة سمى قاتلا ولم تسم النار قاتلة إلا بمعنى الاستعارة ، فعلم أن الفاعل من يصدر الفعل عن إرادته. وإذا لم يكن الله مريدا عندهم ولا مختارا للفعل لم يكن صانعا ولا فاعلا إلا مجازا.