(فإن قيل) نحن نعني بكون الله فاعلا أنه سبب لوجود كل موجود سواه وإن العالم قوامه به ، ولو لا وجود الباري لما تصور وجود العالم ، ولو قدر عدم الباري لانعدم العالم كما لو قدر عدم الشمس لانعدم الضوء. فهذا ما نعنيه بكونه فاعلا فإن كان الخصم يأبى أن يسمى هذا المعنى فعلا فلا مشاحة في الأسامي بعد ظهور المعنى.
(قلنا) غرضنا أن نبين أن هذا المعنى لا يسمى فعلا وصنعا ، وإنما المعنى بالفعل والصنع ما يصدر عن الإرادة حقيقة. وقد نفيتم حقيقة معنى الفعل ، ونطقتم بلفظه تجملا بالإسلام ، ولا يتم الدين بإطلاق الألفاظ دون المعاني ، فصرحوا بأن الله لا فعل له حتّى يتضح أن معتقدكم مخالف لمذهب المسلمين ، ولا تلبسوا بقولكم إن الله صانع العالم ، فإن هذه لفظه أطلقتموها ونفيتم حقيقتها ، ومقصود هذه المسألة الكشف عن هذا التلبيس فقط ثم ساق الكلام ـ إلى أن قال : إن أصولهم التي عارضوا بها الوحى تنفي وجود الصانع فضلا عن كونه صانعا للعالم بل تجعله ممتنع الوجود فضلا عن كونه واجبا لأن الصفات التي وصفوه بها (صفات) معدومة ممتنعة في العقل والخارج ، فالعقل لا يتصوره إلا على سبيل الفرض الممتنع كما تفرض المستحيلات ، ولا يمكن في الخارج وجوده فإن ذاتا هي وجود مطلق لا ماهية لها سوى الوجود المطلق المجرد عن كل ماهية ولا صفة لها البتة ، ولا فيها معنيان متغايران في المفهوم ولا هي هذا العالم ، ولا صفة من صفاته ، ولا داخلة فيه ولا خارجة عنه ، ولا متصلة به ، ولا منفصلة عنه ، ولا محايثة له ، ولا مباينة ولا فوقه ، ولا تحته. ولا عن يمينه ، ولا يساره ، ولا ترى ، ولا يمكن أن ترى ولا تدرك شيئا. ولا تدرك هي بشيء من الحواس. ولا متحركة. ولا ساكنة. ولا توصف بغير السلوب والإضافات العدمية ، ولا تنعت بشيء من الأمور الثبوتية. هي بامتناع الوجود أحق منها بإمكان الوجود ، فضلا عن وجوبه ، وتكليف العقل الاعتراف بوجود هذه الذات ووجوبها كتكليفه الجمع بين النقيضين.
ومعلوم أن مثل هذه الذات لا تصلح لفعل ولا ربوبية ولا إلهية. فأي ذات فرضت في الوجود فهي أكمل منها فالذي جعلوه واجب الوجود هو أعظم استحالة من كل ما يقدر مستحيلا. فلا يكثر بعد هذا عليهم إنكارهم لصفاته