كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، ولا إنكارهم لكلامه وتكليمه. فضلا عن استوائه على عرشه ونزوله إلى سماء الدنيا ، ومجيئه ، وإتيانه ، وفرحه ؛ وحبه ، وغضبه ، ورضاه ، فمن هدم قواعد البيت من أصلها ، كان عليهم هدم السقف والجدران أهون.
ولهذا كان حقيقة قول هؤلاء القوم بالدهر وإنكار الخالق بالكلية وقولهم (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] وإنما صانعوا المسلمين ألفاظا لا حقيقة لها ؛ واشتق إخوانهم الجهمية النفي والتعطيل من أصولهم ، فسدّوا على أنفسهم طريق العلم بإثبات الخالق وتوحيده بمشاركتهم لهم في الأصل المذكور ، وإن باينوهم في بعض لوازمهم ، كإثباتهم كون الرب تعالى قادرا مريدا فاعلا بالاختيار وإثباتهم معاد الأبدان ، والنبوة ولكن لم يثبتوا ذلك على الوجه الذي جاءت به الرسل ، ولا نفوه نفي إخوانهم الملاحدة ؛ بل اشتقوا مذهبا بين المذهبين ، وسلكوا طريقا بين الطريقين ، لا للملاحدة فيه وافقوا ، ولا للرسل اتبعوا.
ولهذا عظمت بهم البلية على الإسلام وأهله بانتسابهم إليه ، وظهورهم في مظهر ينصرون به الإسلام. فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه كسروا ، فمرة يقولون : هي أدلة لفظية معزولة عن إفادة العلم واليقين ، ومرة يقولون هي مجازات واستعارات لا حقيقة لها عند العارفين ، ومرة يقولون لا سبيل إلى تحكيمها ، ولا التفات إليها. وقد عارضها العقل وقواطع البراهين ومرة يقولون أخبار آحاد فلا يحتج بها في المسائل القطعية التي يطلب منها اليقين. فأرضيتم بذلك اخوانكم من الملاحدة أعداء الدين. فهذه ثمرة عقولكم وحاصل معقولكم.
فعلى عقولكم العفاء فإنكم |
|
عاديتم المعقول والمنقولا |
وطلبتم أمرا محالا ، وهو إد |
|
راك الهدى لا تتبعون رسولا |
وزعمتم أن العقول كفيلة |
|
بالحق ، أين العقل كان كفيلا |
وهو الذي يقضي فينقض حكمه |
|
عقل ، ترون كليهما معلولا |