وتسامع العميان حتى أقبلوا |
|
للصلح فازداد الصياح عويلا |
يوضحه : الوجه الثلاثون ، وهو أن الطرق التى سلكها هؤلاء المعارضون بين الوحي والعقل في إثبات الصانع هي بعينها تنفي وجوده لزوما ، فإن المعارضين صنفان ؛ الفلاسفة والجهمية ، أما الفلاسفة فأثبتوا الصانع بطريق التركيب وهو أن الأجسام مركبة ، والمركب يفتقر إلى أجزائه وكل مفتقر ممكن ، والممكن لا بد له من وجود واجب. ويستحيل الكثرة في ذات الواجب بوجه من الوجوه. إذ يلزم تركيبه وافتقاره. وذلك ينافي وجوبه. وهذا هو غاية توحيدهم. وبه أثبتوا الخالق على زعمهم.
ومعلوم أن هذا من أعظم الأدلة على نفي الخالق ، فإنه ينفي قدرته ومشيئته وعلمه وحياته ، إذا لو ثبت له هذه الصفات بزعمهم لكان مركبا ، والمركب مفتقر إلى غيره ، فلا يكون واجبا بنفسه. وفي هذه الشبهة من التلبيس والتدليس والألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ما يطول وصفه. وقد انتدب لإفسادها (جنود الإسلام) على اختلاف مذاهبهم ، فإن المركب لفظ مجمل يراد به ما ركبه غيره ، وما كان متفرقا فاجتمعت أجزاؤه ، وما يمكن تفريق بعضه عن بعض. والله تعالى منزه عن هذه التراكيب ، ويراد به في اصطلاح هؤلاء ما له ماهية خاصة يتميز بها عن سائر الماهيات. وما له ذات وصفات بحيث يتميز بعض صفاته عن بعض ، وهذا ثابت للرب تعالى. وإنما سماه هؤلاء تركيبا على ما تقدم. وكذلك لفظ الافتقار لفظ مجمل يراد به فقر الماهية إلى موجود غيرها يتحقق وجودها به ، وأنه سبحانه غني عن هذا الافتقار. ويراد به أن الماهية مفتقرة في ذاتها ولا قوام لذاتها إلا بذاتها. وأن الصفة لا تقوم وإنما تقوم بالموصوف وهذا المعنى حق إن سماه هؤلاء الملبسون فقرا وكذلك لفظ الغير فيه إجمال. ويراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر. وهذا المعنى حق في ذاته سبحانه وصفاته وإن سماه هؤلاء أغيارا. فإن المخلوق يعلم من الخالق صفة دون صفة
__________________
ـ شجاج ، والمبعوج : بعج البطن بعجا : شقه فبرزت أحشاؤه أه (الوجيز).