قد قال أعلم الخلق به «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (١) وهذا لكثرة أسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله. وقال : «أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقوبتك» (٢) والمستعاذ به غير المستعاذ منه والمقصود أن تسمية هذا تركيبا وافتقارا وغيرا وضع وضعه هؤلاء وليس الشأن في الألفاظ إنما الشأن في المعاني.
وقولهم : أنه مفتقر إلى جزئه ؛ تلبيس. فإن القديم الموصوف بالصفات اللازمة له يمتنع أن تفارقه صفاته. وليست له حقيقة غير الذات الموصوفة حتى يقال أن تلك الحقيقة مفتقرة إلى غيرها. وإن سميت تلك الصفة غيرا ، فالذات والصفات متلازمان لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر. وهذا الالتزام يقتضي حاجة الذات والصفات إلى موجود أوجدها وفاعل فعلها ، والواجب بنفسه يمتنع أن يكون مفتقرا إلى ما هو خارج عن نفسه فأما أن لا يكون له صفة ولا ذات ولا يتميز منه أمر عن أمر فلا يلزم من وجوبه وكونه غنيا بنفسه عن كل ما سواه. فقول الملبس إنه مفتقر إلى ذلك كقوله لو كان له ماهية لكان مفتقرا إلى ماهيته. والله تعالى اسم للذات المتصفة بكمال العلم والقدرة والحياة والمشيئة وسائر صفات الكمال ، ليس اسما لذات مجردة عن الأوصاف والنعوت. فكل ذات أكمل من هذه الذات. تعالى الله عن قول الملحدين في أسمائه وصفاته علوا كبيرا.
والمقصود أن الطريق التي سلكها هؤلاء في إثبات الصانع هي أعظم الطرق في نفيه وإنكار وجوده. ولذلك كان سالكوها لا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا باليوم الآخر وأن صانع من صانع منهم أهل الملل بألفاظ لا حاصل لها.
__________________
(١) أخرجه مسلم (الصلاة / ٤٨٦) وفي سنن أبي داود والترمذي وغيرهم.
(٢) المصدر السابق.