(فصل)
وأما المتكلمون فلما رأوا بطلان هذه الطريق عدلوا عنها إلى طريق الحركة والسكون والاجتماع والافتراق وتماثل الأجسام وتركبها من الجواهر المفردة. وأنها قابلة للحوادث. وما يقبل الحوادث فهو حادث فالأجسام كلها حادثة. فإذن يجب أن يكون لها محدث ليس بجسم ، فبنوا العلم بإثبات الصانع على حدوث الأجسام واستدلوا على حدوثها بأنها مستلزمة للحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ثم قالوا : إن تلك أعراض. والأعراض حادثة. وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. واحتاجوا في هذه الطريق إلى إثبات الأعراض أولا. ثم إثبات لزومها للجسم ثانيا. ثم إبطال حوادث لا أول لها ثالثا. ثم إلزام بطلان حوادث لا نهاية لها رابعا عند فريق منهم. وإلزام الفرق عند فريق آخر. ثم إثبات الجوهر الفرد خامسا. ثم الزام كون العرض لا يبقى زمانين سادسا. فيلزم حدوثه والجسم لا يخلو منه وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ، ثم إثبات الخالق سبحانه مبني على هذه الأمور السبعة فلزمهم من سلوك هذه الطريق إنكار كون الرب فاعلا في الحقيقة ، وإن سموه فاعلا بألسنتهم ، فإنه لا يقوم به عندهم فعل. وفاعل بلا فعل كقائم بلا قيام. وضارب بلا ضرب. وعالم بلا علم.
وضم الجهمية إلى ذلك أنه لو كان به صفة لكان جسما ولو كان جسما لكان حادثا فيلزم من إثبات صفاته إنكار ذاته فعطلوا صفاته وأفعاله بالطريق التي أثبتوا بها وجوده فكانت أبلغ الطرق في تعطيل صفاته وأفعاله وعن هذه الطريق أنكروا علوه على عرشه وتكلمه بالقرآن وتكليمه لموسى. ورؤيته بالأبصار في الآخرة ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة. ومجيئه لفصل القضاء بين الخلائق ، وغضبه ذلك اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب مثله بعده. وجميع ما وصف به نفسه من وصف ذاتي أو معنوي أو فعلي. فأنكروا وجهه الأعلى. وأنكروا أن له يدين وأن له سمعا وبصرا وحياة. وأنه يفعل ما يشاء حقيقة ، وإن سمي فاعلا فلم يستحق ذلك لفعل قام به. بل فعله هو عين مفعوله.