وهذه المعارضة الإبليسية صارت ميراثا في أتباعه في التقديم بالأصول والأنساب على الإيمان والتقوى ، وهي التي أبطلها الله تعالى بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : ١٣) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله وضع عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس مؤمن تقي ، وفاجر شقي» (١).
وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. الناس من آدم وآدم من تراب» (٢) فانظر إلى سريان هذه النكتة الإبليسية في نفوس أكثر الناس ، من تفضيلهم بمجرد الأنساب والأصول.
(الثالث) أن ظنه أن النار خير من التراب باطل ، مستنده ما فيها من الإضاءة والخفة ، وما في التراب من الثقل والظلمة ، ونسي الشيخ ما في النار من الطيش والخفة ، وطلب العلو والإفساد بالطبع حتى لو وقع منها شواظ بقدر الحبة في مدينة عظيمة لأفسدها كلها ومن فيها ، بل التراب خير من النار وأفضل من وجوه متعددة : منها أن طبعه السكون والرزانة ، والنار بخلافه. ومنها : أنه مادة الحيوان والنبات والأقوات ، والنار بخلافه. ومنها : أنه لا يمكن لأحد أن يعيش بدونه ودون ما خلق منه البتة ، ويمكنه أن يعيش برهة بلا نار. قالت عائشة «كان يمر بنا الشهر والشهران ما يوقد في بيوتنا نار ولا نرى نارا» قال لها عروة : فما عيشكم؟! قالت «الأسودان : التمر والماء» (٣).
ومنها : أن الأرض تؤدي إليك بما فيها من البركة أضعاف أضعاف ما تودعه من الحب والنوى وتربية لك وتغذيه وتنميه ، والنار تفسده عليك وتمحق بركته. ومنها أن الأرض مهبط وحي الله ومسكن رسله وأنبيائه وأوليائه وكفاتهم أحياء وأمواتا.
__________________
(١) (صحيح) أخرجه الإمام أحمد (٢ / ٥٢٤) ، وأبو داود (٥١١٦) ، والترمذي (٣٩٥٥ ـ ٣٩٥٦) ، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» له وقال : صحيح.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٥ / ٤١١).
(٣) أخرجه البخاري (٢٥٦٧) ، ومسلم (٢٩٧٢) وغيرهما.