والنار مسكن أعدائه ومأواهم. ومنها أن في الأرض بيته الذي جعله إماما للناس وقياما لهم وجعل حجه محطا لأوزارهم ، ومكفرا لسيئاتهم ، وجالبا لهم مصالح معاشهم ومعادهم ، ومنها : أن النار طبعها العلو والفساد. والله لا يحب المستكبرين ولا يحب المفسدين ، والأرض طبعها الخشوع والإخبات ، والله يحب المخبتين الخاشعين.
وقد ظهر خلق إبراهيم ومحمد وموسى وعيسى والرسل من المادة الأرضية ، وخلق إبليس وجنوده من المادة النارية ، نعم وخلق من المادة الأرضية الكفار والمشركين ، ومن المادة النارية صالحوا الجن ، ولكن ليس في هؤلاء مثل إبليس وليس في أولئك مثل الرسل. فمعلم الخير من المادة الأرضية ، ومعلم الشر من المادة النارية.
ومنها : أن النار لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل تقوم به لا تستغني عنه ، وهي محتاجة إلى المادة الترابية في قوامها وتأثيرها ، والأرض قائمة بنفسها لا تحتاج إلى محل تقوم به ولا تفتقر في قوامها ونفعها إلى النار ؛ ومنها أن التراب يفسد صورة النار ويبطلها ويقهرها وإن علت عليه ؛ ومنها أن الرحمة تنزل على الأرض فتقبلها وتحيا بها وتخرج زينتها وأقواتها وتشكر ربها ، وتنزل على النار فتأباها وتطفئها وتمحوها وتذهب بها ، فبينها وبين الرحمة معاداة ، وبين الأرض وبين الرحمة موالاة ، ومنها أن النار تطفأ عند التكبير وتضمحل عند ذكر كبرياء الرب ولهذا يهرب المخلوق منها عند الأذان حتى لا يسمعه ؛ والأرض تبتهج بذلك وتفرح به وتشهد به لصاحبه يوم القيامة. ويكفي في فضل المخلوق من الأرض أن الله تعالى خلقه بيده ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء ، فهل حصل للمخلوق من النار واحدة من هذه؟
فقد تبين لك حال هذه المعارضة العقلية للسمع وفسادها من هذه الوجوه وأكثر منها. وهي من شيخ القوم ورئيسهم ومعلمهم الأول. فما الظن بمعارضة التلامذة؟
ونحن نقول قولا نقدم بين يديه مشيئة الله وحوله والاعتراف بمنته علينا وفضله