(الله الصمد)
وهو سبحانه قد وصف نفسه بأنه لم يكن له كفوا أحد بعد وصفه نفسه بأنه الصمد ، والصمد السيد الذي كمل في سؤدده. ولهذا كانت العرب تسمي أشرافها بهذا الاسم لكثرة الأوصاف المحمودة للمسمى به. قال شاعرهم :
ألا بكر الناعي بخير بني أسد |
|
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد |
فإن الصمد من تصمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة ، وذلك لكثرة خصال الخير فيه لهذا قال جمهور السلف ، منهم ابن عباس : الصمد الذي كمل سؤدده وهو العالم الذي كمل علمه ، القادر الذي كملت قدرته ، الحليم الذي كمل حلمه ، الرحيم الذي كملت رحمته ، الجواد الذي كمل وجوده ، ومن قال إنه الذي لا جوف له فقوله لا يناقض هذا التفسير ، فإن ما لم يكن أحد كفوا له لما كان صمدا كاملا فى صمدانيته ، فلو لم يكن له صفات كمال ونعوت جلال ، ولم يكن له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا يقوم به فعل ، ولا يفعل شيئا البتة ، ولا حياة له ولا إرادة ولا كلام ولا وجه ولا يد ، ولا هو فوق عرشه ولا يرضى ولا يغضب ولا يحب ولا يبغض ، ولا هو فاعل لما يريد ولا يرى ولا يمكن ان يرى ولا يشار إليه ولا يمكن ان يشار إليه ، لكان العدم المحض كفوا له ؛ فإن هذه الصفة منطبقة على المعدوم ، فلو كان ما يقوله المعطلون هو الحق لم يكن صمدا وكان العدم كفوا له.
وكذلك قوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (مريم : ٦٥ ـ ٦٦) فأخبر أنه لا سمي له عقب قول العارفين به (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا).
فهذا الرب الذي له هذا الجند العظيم ولا يتنزلون إلا بأمره. وهو المالك ما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك ، وهو الذي كملت قدرته وسلطانه وملكه وكمل علمه. فلا ينسى شيئا أبدا ، وهو القائم بتدبير السماوات والأرض وما بينهما كما هو الخالق لذلك كله ، وهو ربه ومليكه. فهذا الرب هو الذي لا