محذوف على التقدير. أى ولو يرى هؤلاء حالهم وما أعد الله لهم إذ يرون العذاب لرأوا أمرا عظيما. ثم قال : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) وقال (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم في دعاء الاستفتاح «لبيك وسعديك والخير كله في يديك» (١) وفي الأثر الآخر «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله» (٢).
فلله سبحانه كل صفة كمال وهو موصوف بتلك الصفات كلها. ونذكر من ذلك صفة واحدة يعتبر بها في سائر الصفات : وهو أنك لو فرضت جمال الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم لشخص واحد منهم ، ثم كان الخلق كلهم على جمال ذلك الشخص لكان نسبته إلى جمال الرب تبارك وتعالى دون نسبة سراج ضعيف إلى جرم الشمس (٣) ، وكذلك قوته سبحانه وعلمه وسمعه وبصره وكلامه وقدرته ورحمته وحكمته ووجوده وسائر صفاته وهذا مما دلت عليه آياته الكونية والسمعية ، وأخبرت به رسله عنه كما في «الصحيح» عنه صلىاللهعليهوسلم «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار
__________________
(١) أخرجه مسلم (٧٧١).
(٢) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٤ / ٤٤٠٠).
(٣) وقال الشيخ في «الفوائد» بعد ما ذكر حديث : «إن الله جميل يحب الجمال» : وشرحه ثم قال : والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين : فأول معرفة ، وآخر سلوك ، فيعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ، ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق ، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل ، وجوارحه بالطاعة ، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة ، والختان وتقليم الأظفار.
فيعرفه (سبحانه) بصفات الجمال ، ويتعرف عليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ، ويعبده بالجمال الّذي هو شرعه ودينه ، فجمع الحديث قاعدتين : المعرفة والسلوك أه.