بالتصريح إلى التوحيد المحض الذي يدعو إليه حقيقة هذا الدين المعترف بجلالته على لسان حكماء العالم قاطبة؟
ثم قال في ضمن كلامه : إن الشريعة الجائية على لسان نبينا جاءت أفضل ما يمكن أن تجيء بمثله الشرائع وأكمله. ولهذا صلحت أن تكون خاتمة الشرائع وآخر الملل. قال : وأين الإشارة إلى الدقيق من المعاني الميسرة إلى علم التوحيد ، مثل إنه عالم بالذات ، أو عالم بعلم ، قادر بالذات ، أو قادر بقدرة ، واحد بالذات على كثرة الأوصاف أو قابل للكثرة ، تعالى عنها بوجه من الوجوه ، متحيز الذات أو منزه عن الجهات ، فإنه لا يخلو إما أن تكون هذه المعاني واجبا تحققها وإتقان المذهب الحق فيها ، أو يسع الصدوف عنها وإغفال البحث والروية فيها ، فإن كان البحث فيها معفوا عنه وغلط الاعتقاد الواقع فيها غير مأخوذ به ، فجل مذهب هؤلاء القوم المخاطبين بهذه الجملة تكلف وعنه غنية ، وإن كان فرضا محكما فواجب أن يكون بما صرح به في الشريعة ، وليس التصريح المعمى أو الملبس أو المقتصر بالإشارة والإيماء ، بل التصريح المستقصي فيه والمنبه عليه والموفي حق البيان والإيضاح والتعريف على المعانى ، فإن المبرزين المنفقين أيامهم ولياليهم وساعات عمرهم على تمرين أذهانهم وتذكية أفهامهم وترشيح نفوسهم لسرعة الوقوف على المعانى الغامضة يحتاجون في تفهم هذه المعاني إلى فضل وشرح عبادة فكيف غتم العبرانيين وأهل الوبر من العرب؟ لعمري لو كلف الله رسولا من الرسل أن يلقي حقائق هذه الأمور إلى الجمهور من العامة الغليظة طباعهم ، والمنغلقة بالمحسوسات الصرفة أوهامهم ، ثم سامه أن يستنجز منهم الإيمان والإجابة غير متمهل فيه ، وسامه أن يتولى رياضة نفوس الناس قاطبة حتى تستعد للوقوف عليها ، لكلفه شططا ، وأن يفعل ما ليس في قوة البشر. اللهم إلا أن تدركهم حالة إلهية ، وقوة علوية ، وإلهام سماوي ، فتكون حينئذ وساطة الرسول مستغني عنها وتبليغه غير محتاج إليه.
وهب أن الكتاب العزيز جاء على لغة العرب وعادة لسانهم في الاستعارة والمجاز ، فما قولهم في الكتاب العبراني ، كله من أوله إلى آخره تشبيه صرف؟