تصديق الرسول وصار كثير من الناس يحب النظر والبحث والمعقول ، وهو مع ذلك يريد أن لا يخرج عما جاء به الرسول ، ثم أصلوا تأصيلا مستلزما لبطلان التفصيل ، ثم فصلوا تفصيلا على بطلان الأصل فصاروا حائرين بين التأصيل والتفصيل ، وصار من طرد منهم هذا الأصل خارجا عن العقل والسمع بالكلية ، ومن لم يطرده متناقضا مضطرب الأقوال. وقد سلك الناس في إثبات الصانع وحدوث العالم طرقا متعددة سهلة قريبة موصلة إلى المقصود ، لم يتعرضوا فيها لطريق هؤلاء بوجه.
قال الخطابي : وإنما سلك المتكلمون هذه الطريقة في الاستدلال بالأعراض مذهب الفلاسفة وأخذوه عنهم ، وفي الأعراض اختلاف كثير ؛ منهم من ينكرها ولا يثبتها رأسا ، ومنهم من لا يفرق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بنفسها كالجواهر (قلت) ومنهم من يقول بكمونها وظهورها ومنهم من يقول بعدم بقائها ، ثم سلك طرقا في إثبات الصانع منها الاستدلال بأحوال الإنسان من مبدئه إلى غايته ، والاستدلال بأحوال الحيوان والنبات والأجرام العلوية وغير ذلك ثم قال : والاستدلال بطريق الأعراض لا يصح إلا بعد استبراء هذه الشبهة ، وطريقنا الذي سلكناه بريء من هذه الآفات سليم من هذه الريب.
(أقوى الطرق لإثبات الصانع سبحانه)
قال : وقد سلك بعض مشايخنا في هذه الطرق الاستدلال بمقدماتها كإثبات النبوة معجزات الرسالة التي دلائلها مأخوذ من طريق الحس لمن شاهدها ، ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها. فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعا الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لم يتسع فهمه لإدراك وجوه الأدلة ولم يتبين معاني تعلق الأدلة بمدلولاتها ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
(قلت) وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل. ودلالتها ضرورية