بنفسها ولهذا يسميها الله تعالى آيات بينات ، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها. فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت ، من أدل دليل على وجود الصانع ، وحياته وقدرته ومشيئته. إرادته وعلمه بالكليات الجزئيات ؛ وعلى رسالة الرسول ، وعلى المبدأ والمعاد ، فكل قواعد الدين في هذه العصا وكذلك اليد ؛ وفلق البحر طرقا ، والماء قائم بينهما كالمحيطان ، ونتق الجبل من موضعه ورفعه على قدر العسكر العظيم فوق رءوسهم ، وضرب حجر مربع بعصا فتسيل منه اثنتا عشرة عينا تكفي أمة عظيمة.
وكذلك سائر آيات الأنبياء كإخراج ناقة عظيمة من صخرة تمخضت بها ثم انصدعت عنها والناس حولها ينظرون. وكذلك تصوير طائر من طين ثم ينفخ فيه النبي فينقلب طائرا ذا لحم ودم وريش وأجنحة يطير بمشهد من الناس. وكذلك إيماء الرسول إلى القمر فينشق نصفين بحيث يراه الحاضر والغائب ويخبر به كما رآه الحاضرين. وأمثال ذلك مما هو أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر. وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده ودلهم بها ، كما دلهم بما يشاهدونه من أحوال الحيوان والنبات والمطر والسحاب الحوادث التي في الجو وأحوال العلويات من السماء والشمس والقمر والنجوم ، وأحوال النطفة وتقبلها طبقا بعد طبق ، حتى صارت إنسانا سميعا بصيرا حيا متكلما عالما قادرا يفعل الأفعال العجيبة ويعلم العلوم العظيمة. وكل طريق من هذه الطرق أصح وأقرب وأوصل من طرق المتكلمين التي لو صحت لكان فيها من التطويل والتعقيد والتعسير ما يمنع الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ، أن يدل بها عباده عليه وعلى صدق رسله وعلى اليوم الآخر. فأين هذه الطريق العسرة الباطلة المستلزمة لتعطيل الرب عن صفاته وأفعاله وكلامه وعلوه على خلقه وسائر ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر به عنه رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى طرق القرآن التي هى ضد هذه الطريق من كل وجه ، وكل طريق منها كافية شافية هادية.
هذا ؛ إن القرآن وحده لمن جعل الله نورا أعظم آية ودليل على هذه المطالب ،