مثل كونها واجبة قديمة عامة التعلق ، فإن صفة العلم واجبة لله قديمة غير حادثة ، متعلقة بكل معلوم على التفصيل. وهذه اللوازم منتفية عن العلم الذي هو صفة للمخلوقين ، ويلزمها لوازم من حيث كونها ممكنة حادثة بعد أن لم تكن مخلوقة غير صالحة للعموم مفارقة له. فهذه اللوازم يستحيل إضافتها إلى القديم. واجعل هذا التفضيل ميزانا لك في جميع الصفات والأفعال ، واعتصم به في التشبيه والتمثيل ، وفي بطلان النفي والتعطيل. واعتبره في العلو والاستواء تجد الصفة يلزمها كون العالي فوق السافل في القديم والحديث ، فهذا الإلزام حق لا يجوز نفيه ، ويلزمها كون السافل حاويا للأعلى محيطا به حاملا له ، والأعلى مفتقرا إليه ، وهذا في بعض المخلوقات ، لا في كلها ، بل بعضها لا يفتقر فيه الأعلى إلى أسفل ، ولا يحويه الأسفل ولا يحيط به ولا يحمله. كالسماء مع الأرض فالرب تعالى أجل شأنا وأعظم أن يلزم من علوه من خصائصه ، وهي حمله السافل وفقر السافل إليه! وغناه سبحانه عنه وإحاطته عزوجل به ؛ فهو فوق العرش ، وعدم إحاطة العرش به ؛ وحصره للعرش ، وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوقين ، ولو ميز أهل التعطيل هذا التمييز لهدوا إلى سواء السبيل ، ولما فارقوا الدليل.
(منشأ الضلال الّذي قاد إلى التعطيل)
الوجه الخامس والأربعون : إن الأصل الذي قادهم إلى التعطيل ، واعتقاد المعارضة بين الوحي والعقل أصل واحد ، وهو منشأ ضلال بني آدم ، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد وتكثر أسمائه الدالة على صفاته وقيام الأمور المتجددة به ، وهذا لا محذور فيه ، بل هو الحق لا يثبت كونه سبحانه ربا وإلها وخالقا إلا به ، ونفيه جحد للصانع بالكلية. وهذا القدر اللازم لجميع طوائف أهل الأرض على اختلاف مللهم وعلومهم ، حتى لمن أنكر الصانع بالكلية وأنكره رأسا ، فإنه يضطر إلى الإقرار بذلك وإن قام عنده ألف شبهة أو أكثر على خلافه. وأما من أقر بالصانع فهو مضطرا إلى أن يقر بكونه حيا عالما قادرا مريدا