ويغفره ويعفو عنه ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» (١) وهذا هو الذي وردت الأحاديث الصحيحة بالفرح به. وهذا المفروح به يمتنع وجوده قبل الذنب فضلا من أن يكون ، فهذا المفروح به يحب تأخره قطعا ، ومثل هذا ما روي «أن آدم لما رأى بنيه ورأى تفاوتهم ، قال : يا رب ، هلا سويت بين عبادك؟ قال : إنى أحب أن أشكر» ومعلوم أن محبته للشكر علي ما فضل به بعضهم على بعض ، ولا يحصل ذلك بالتسوية بينهم. فإن الجمع بين التسوية والتفضيل جمع بين النقيضين ، وذلك محال.
الوجه الثاني والخمسون : إن هذه المعارضة بين العقل والنقل هى أصل كل فساد في العالم وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه فإنهم دعوا إلى تقديم الوحى على الآراء والعقول ، وصار خصومهم إلى ذلك. فأتباع الرسل قدموا الوحى على الرأى والمعقول ، واتباع إبليس أو نائب من نوابه قدموا العقل على النقل.
(شبهات إبليسية) (*)
قال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ، في كتابه «الملل والنحل» : اعلم أن أول شبهة وقعت في الخلق شبهة إبليس ؛ ومصدرها استبداده بالرأي فى مقابلة النص ، واختياره الهوى في معارضة الرأى ، واستكباره بالمادة التي خلق منها ، وهى النار على مادة آدم ، وهي الطين وتشبعت
عن هذه الشبهة سبع شبهات صارت هى مذاهب بدعة وضلالة وتلك الشبهات مسطورة في شرح الأناجيل الأربعة ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرة بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود والامتناع منه ، قال : كما نقل عنه : إني
__________________
(١) رواه مسلم (التوبة / ٢٧٤٩).
(*) العنوان من وضعنا ، وللأستاذ سليم الهلالى رسالة باسم «حجة إبليس» جمع فيها ما ذكره الشهرستانى فى «الملل والنحل» ، وما ذكره ابن القيم هنا في ترتيب بديع فانظره.