غيره فيه وأنه جعل الأسباب مقتضيات لغاياتها ، وألق من قولهم إنكارهم خلقه لأفعال عباده وإنكار عود الحكمة إليه وقياس أفعاله على أفعال عباده.
والفلاسفة فيما أصّلوه من أن تعطيل أسباب الخيرات والمصالح العظيمة لما في ضمنها من الشرور والآلام الجزئية مناف للحكمة ، فهذا أصل في غاية الصحة لكن أخطئوا في ذلك أعظم خطأ ، وهو جعلهم ذلك من لوازم الطبيعة المجردة من غير أن تكون متعلقة بفاعل مختار قدر ذلك بمشيئته وقدرته واختياره ، ولو شاء لكان الأمر على خلاف ذلك كما يكون في الجنة ، فإنها مشتملة على الخيرات المحضة البريئة من هذه العوارض من كل وجه ، فاقتضت حكمته أن تكون هذه الدار على ما هى عليه ؛ ممزوجا خيرها بشرها ، ولذاتها بآلامها ، وأن تكون دار القرار خالصة من شوائب الآلام والشرور خلاصا تاما ، وأن تكون دار الشقاء خالصة للآلام والشرور ، وإذا جمعت حق هذه الطائفة وأثبت لله تعالى صفات الكمال ، وأنه يحب ويحب ، ويفرح بتوبة عباده وطاعتهم ويرضى بها ، ويضحك ، ويثنى عليهم بها ويحب أن يثنى عليه ويحمد ويشكر ، ويفعل ما له في فعله غاية وحكمة يحبها ويرضاها ، فيفعل لأجلها ، كنت أسعد بالحق من هؤلاء.
* * *
(فصل)
ذوو الأرواح الذين يلحقهم اللذة والآلام أربعة أصناف : الإنس ، والجن
والبهائم ، والملائكة ، عند من يقول أن فيهم من يعصى ويعاقب.
فأما الإنس والجن : فالمكلفون منهم يحصل لهم بالطاعات والمعاصى لذات وآلام تناسبها. وأما الأطفال والمجانين فنوعان : نوع يدخلون الجنة إما بطريق التبعية أو بعد التكليف يوم القيامة. كما جاءت به الآثار ، فهؤلاء إذا حصل لهم آلام يسيرة منقطعة كانت مصلحة لهم ورحمة ونعمة في جنب ما ينالهم من