الراحة في الدنيا بالموت الّذي لا بد منه ، ويتداخل الثواب في الآخرة ، ومن لا يثاب كالبهائم التى لا بد من موتها فإنها لا تتعجل الراحة وما يصيبها من ألم الجوع والعطش ، فهو من لوازم العدل والحكمة مثل الّذي يصيبها من ألم الحر والبرد والحبس في بيوتها التى مصلحتها أرجح من مفسدة ما ينالها ، وهكذا مصلحة هذه العقوبة العامة وجعلها عبرة للأمم أرجح من مفسدة تألم تلك الحيوانات.
* * *
فصل (حكمة الرب تعالى في خلق الضدين)
اعلم أن من أعظم حكمة الرب وكمال قدرته ومشيئته خلق الضدين إذ بذلك تعرف ربوبيته وقدرته وملكه ، كالليل والنهار ، والحر والبرد ؛ والعلو والسفل ، والسماء والأرض ، والطيب والخبيث ، والداء والدواء ، والألم واللذة ، والحسن والقبيح ، فمن كمال قدرته وحكمته خلق جبريل وخلقك ، فخلق أطيب الأرواح وأزكاها وأطهرها وأفضلها ، وأجرى على يديه كل خير ، وخلق أنجس الأرواح وأخبثها وأرداها وأجرى على يديه كل شر وكفر وفسوق ومعصية وجعل الطيب منحازا إلى تلك الروح ، والخبيث منحازا إلى هذه الروح فتلك مغناطيس كل طيب وهذه مغناطيس كل خبيث وأى حكمة أبلغ من هذا؟
يوضحه : أن المادة الأرضية مشتملة على الطيب والخبيث ، وقد اقتضت الحكمة أن خلق منها آدم وذريته فلا بد أن يأتى بنو آدم كذلك مشاكلتهم لمادتهم. والمادة النارية فيها الخير والشر ؛ فلا بد أن يأتى المخلوق منها كذلك. والله تعالى يريد تخليص الطيب من المادة الأرضية من الخبيث ليجعل الطيب مجاورا له في دار كرامته مختصا برؤيته والقرب منه. ويجعل الخبيث في دار الخبث ، حظه البعد منه والهوان والطرد والإبعاد ، إذ لا يليق بحمده وحكمته