وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من مولود يولد ألا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (١) فأخبر أن أصل ولادتهم ونشأتهم على الفطرة ، وأن التهويد والتنصير والتمجيس طارئ طرأ على الفطرة وعارض عرض لها واقتضى هذا العارض الّذي عرض للفطرة أمورا استلزمت ترتيب آثارها عليها بحسب قوتها وضعفها فالآلام والعقوبات المترتبة على ذلك من جنس الآلام والعقوبات المترتبة على خروج البدن عن صحته ، وهو إنما خلق على الصحة والاعتدال فإذا استمر على ذلك لم يعرض له ألم ، وكذلك القلب فطر على الفطرة الصحيحة ، فلما عرض له الفساد ترتب على ذلك العارض أثره من الآلام والعقوبات ولا ريب أن ذلك العارض ليس في أصل الفطرة بحيث يستحيل زواله ، بل هو ممكن الزوال ، والناس في زواله فحين عاد إلى موجب الفطرة أجاب الداعى من غير توقف ، ومنهم من توقف لقوة العارض فاحتاج مع الدعوة إلى موعظة تتضمن ترهيبه وترغيبه ، ومنهم من غلبت عليه المادة الفاسدة فاحتاج مع ذلك إلى المجادلة. ومنهم من كان العارض أشد من ذلك فعدل معه إلى الجلاد والمحاربة ونوع من العقوبة ، فأزال ذلك تلك المادة وأعاد الفطر إلى صحتها. ومنهم من كان فساد فطرته قد استحكم وتمكن ، فصار له بمنزلة الصفة الثابتة. ولم يكن بد من أن يحتمى عنه ليزول ذلك الخبث ويتخلص منه ، ويعود على ما خلق عليه أولا.
ولهذا لما خرج خبث الموحدين من أهل الكبائر بسرعة تعجل خروجهم من النار وعاد إلى ما خلقوا عليه أولا من كمال النشأة وزوال موجب هذا العذاب ، فلم يبق لهم مصلحة في التعذيب بعد ذلك. وأما المشركون : فلما كان العارض استحكم فيهم وصار كالهيئة والصفة استمروا في النار تحمي عليهم أشد الحمو لقوة ذلك الخبث ولزومه لهم. ومعلوم أنه لو فارقهم في الدنيا وانسلخوا منه لهم
__________________
(١) تقدم تخريجه.