فهذا القدر من وجده في قلبه في الدنيا لم يدخل دار الشقاء إلا تحلة القسم ، ومن لم يظهر له هذا في الدنيا فإنه سيعلمه في الآخرة كما قال تعالى : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) (الملك : ١١) ، وقال : (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) (القصص : ٧٥) ، وقال تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر : ١١) فلا شيء أنفع لهم في عذابه من حمده والثناء عليه ، ومحبته على كمال عدله فيهم ، وقولهم : إن كان هذا رضاك فلا نطلب غيره ، ويشتد غضبهم على نفوسهم ، ومقتهم لها ، موافقة لغضب ربهم ومولاهم ، ولكن هذا القدر لا تسمح به النفوس اللئيمة الجاهلة الظالمة اختيارا فإذا عوقبت بما تستحق وبلغ منها العذاب مبلغه وكسرها وأذلها ، فإن أراد بها خيرا أشهدها ذلك وجعله حاضرا عندها ، فالرحمة حينئذ أدنى إليها من العقوبة ، والعفو أقرب إليها من الانتقام ، فإذا أراد بها بارئها وفاطرها أن يرحمها ألهمها ذلك فانتقلت به من حال إلى حال فإن شاء أنشأها بعد ذلك نشأة أخرى ؛ وطبعها على غير طبيعتها الأولى ، فهو على كل شيء قدير ؛ وهو الحكيم العليم ؛ فلا يظن به من ساء فهمه أن هذا يناقض ما أخبر الله ورسوله به ، واتفق عليه سلف الأمة أنهم مخلدون في النار ؛ وما هم منها بمخرجين : وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، فمن رد كذلك وكذبه فهو كافر جاحد لما علم بالاضطرار أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أخبر به ؛ فليس في هذا نظر ولا شك ، وإنما الشأن في كون النار أبدية كالجنة لا تفنى أبدا وإلا فمتى دامت نارا فهم فيها خالدون.
* * *
فصل
ولنرجع إلى المقصود ، وهو أن الذين قالوا : عذب الكفار مصلحة لهم ورحمة لهم حاموا حول هذا المعنى ، ولم يقتحموا لجته ، وإلا فأى مصلحة لهم في عذاب لا ينقطع ، وهو دائم بدون الرب تعالى ، فتأمل هذا الوجه حق التأمل واعطه حقه من النظر ، واجمع بين ذلك وبين معانى أسمائه وصفاته ؛ وما