دل عليه كلام الله وكلام رسوله ؛ وما قاله الصحابة ومن بعدهم ، ولا تبادر إلى القول بلا علم ولا إلى الإنكار ؛ فإن أسفر لك صبح الصواب ؛ وإلا فرد الحكم إلى ما رده الله إليه بقول : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧) وتمسك بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد ذكر دخول أهل الجنة وأهل النار النار ، وصف حالهم ثم قال «ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء».
الوجه الرابع : إن الذي يخلقه الله سبحانه ويقدره من الأمور نوعان : غايات ووسائل وقد اقتضت حكمته أن الوسائل تضمحل وتبطل إذا حصلت غايتها كما يبطل السفر عند بلوغ المنزل ، ويزول الأكل والشرب عند حصول الشبع والري ، والخيرات والمنافع هي الغايات المقصودة لنفسها ، والشرور والآلام إنما تقصد قصد الوسائل ؛ لإفضائها إلى الخيرات والمنافع. وما كان مقصودا لنفسه فإن بقاءه ودوامه هو مقتضى الحكمة ، وأما إذا كان مقصودا لغيره ؛ فإذا حصل ذلك المقصود به لم يكن في دوامه وبقائه حكمة ولا مصلحة ، والله تعالى خلق النار سوطا يسوق بها عباده إلى رحمته وجنته ، ويخوفهم بها من معصيته ويطهر بها من اكتسب من عباده خبثا ونجاسة ، ولا يصلح إلا بها لمساكنته في جنته وعقوبته يعاقب بها أعداءه على مقادير جرائمهم ، وهذه كلها أمور مقصودة لغيرها مفضية إلى مصالح مقصودة لنفسها.
يوضحه الوجه الخامس : أن الله سبحانه جعل الشدائد والآلام والشرور في هذه الدار بتراء لا دوام لها جعل الشدة بين فرجين : فرج قبلها وفرج بعدها ، والعسر بين يسرين ، والبلاء بين عافيتين ، فليس عنده شدة دائمة ولا بلاء دائم ولا كرب دائم في هذه الدار التي هي دار ظلم وبلاء وخيراتها ممزوجة بشرورها ، وذلك أن الآلام والشدائد شرور ، والشرور ليس إلى الله بخلاف الخيرات والنعم ، فإنها من مقتضى صفاته ، فهى دائمة بدوامه ومعلوم أن الدار التي هي حق من كل وجه أولى أن يكون الدوام لخيراتها ولذاتها ومسراتها ، وأن تكون شرورها إلى اضمحلال وزوال.