وتأمل قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث الشفاعة «إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله» (١) ، فإذا كان ذات الغضب الشديد لا يدوم ولا يستمر بل يزول ، وهو الذي سعر النار ؛ فإنها إنما سعرت بغضب الجبار تبارك وتعالى فإذا زال السبب الذي سعرها ، فكيف لا تطفأ ؛ وقد طفئ غضب الرب وزال ، وهذا بخلاف رضاه فإنه من لوازم ذاته دائما بدوامها ؛ ولهذا دام نعيم أهل الجنة والرضى ، كما يقول لهم في الجنة «إني أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم أبدا» (٢) فكيف يساوي بين موجب رضاه وموجب سخطه في الدوام ولم يستو الموجبان.
الوجه الثاني عشر : إنه كما قيد الغضب الشديد بذلك اليوم قيد العذاب المرتب عليه به كما في قوله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (الزخرف : ٦٥) وقوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (مريم : ٣٧) فجعل العذاب والمشهد واقعين في ذلك اليوم العظيم ، بل جعل العذاب يوم العذاب أبدا ، ولا يقال في الشيء الأبدى الذي لا يفنى ولا يبيد إنه عمل يوم وطعام يوم وعذاب يوم ، ولم ينتقض هذا بقوله سبحانه : (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) (القمر : ٣٨) ، ولا بقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (القمر : ١٩) ، فإن استقراره واستمراره لا يقتضي أبديته لغة ولا عرفا ولا عقلا ، وقد أخبر سبحانه عن بطن الأم أنه مستقر الجنين بقوله (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) (الحج : ٥) ، وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (الأنعام : ٩٨) سواء كان المستقر صلب الأب والمستودع بطن الأم أو عكس ذلك. أو دار الدنيا ودار البرزخ كما هي أقوال المفسرين في الآية. فالمستقر لا يدل على أنه أبدي ؛ وكذلك المستمر لا يدل على الأبدية ، فاستقرار كل شيء واستمراره
__________________
(١) رواه البخاري (٤٤٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٤٩) ، ومسلم (٢٨٢٩).