__________________
الجارية على لسان القوم ، وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الّذي عرفهم بنفسه ، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم.
وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منها وقد قال أعرف الخلق بهن صلىاللهعليهوسلم : «لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» ، وأخبر أنه سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن.
ولهذه المعرفة بابان واسعان : الباب الأول : التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها ، والفهم الخاص عن الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
والباب الثاني : التفكر في آياته المشهودة ، وتأمل حكمته فيها ، وقدرته ولطفه وإحسانه ، وعدله وقيامه بالقسط على خلقه.
وجماع ذلك : الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها ، وتفرده بذلك ، وتعلقها بالخلق والأمر ، فيكون فقيها فى أوامره ونواهيه ، فقيها في قضائه وقدره ، فقيها في أسمائه ، وصفاته ، فقيها في الحكم الديني الشرعى ، والحكم الكوني القدري ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.
وقال أيضا : من أعز أنواع المعرفة «معرفة الرب» سبحانه بالجمال ، وهي معرفة خواص الخلق ، وكلهم عرفه بصفة من صفاته وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته ، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة ، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبه سراج ضعيف إلى قرص الشمس ، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه ، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته ، فما الظن بمن صدر منه هذا الجمال.
ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا ، والجود كله ، والإحسان كله ، والعلم كله ، والفضل كله ، ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في دعاء الطائف : «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة».
وقال عبد الله بن مسعود : ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه فهو سبحانه نور السموات والأرض ، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره.
ومن أسمائه الحسنى «الجميل» وفي «الصحيح» عنه صلىاللهعليهوسلم : «إن الله جميل يحب الجمال».