نفسك ما لا يعلمه غيره. وكان ذلك موجبا لمقته لك ولم يكن يجرى عليك ما تستحقه بمجرد علمه السابق قبل ، من غير أن تظهر الملائكة ما يحمده به ويثنى عليه ويعذر به إذا طردك عن قربه ، وأخرجك من جنته ، فأمرك بأمره ، فخرج منك الداء الدفين بمقابلته بالمعصية ومنازعته سبحانه رداء الكبرياء ؛ فاستخرج أمره منك الكفر الخفي والداء الدوى ، وقام عذره في نفوس أوليائه وملائكته بما أصابك من لعنته وجرى عليك من نكاله وعقوبته. وصرت في ذلك إماما لمن كان حاله حالك ، فهذا من بعض حكمه في أمره لمن علم أنه لا يطيعه فأنه لو عذبه وطرده بما يعلمه منه من غير أن يظهره غيره لوجد هو وغيره للقول سبيلا ؛ لو أمرتني لأطعتك ولكن عذبتني قبل أن تجربنى ولو جربتنى لوجدتنى سامعا مطيعا بل من تمام حكمته ورحمته أنه لا يعذبه بمعصيته حتى يدعوه إلى الرجوع إليه مرة بعد مرة ، حتى إذا استحكم إباؤه ومعصيته ولم يبق للقول فيه مطمع ولا للموعظة فيه تأثير وأيس من حق عليه القول وظهر عذر من عذبه للخليقة ، وحمده وكماله المقدس.
قال مختصره محمد ابن الموصلى عفا الله عنه. وهذا الوجه أحسن من الوجه الأول وأصوب. والله تعالى أعلم.
الوجه الحادى والعشرون : قوله : وإذ أبيت السجود له فلم طردتنى وذنبى أني لم أر السجود لغيره ، فيقال لعدو الله : هذا تلبيس إنما يروج على أشباه الأنعام من أتباعك حيث أوهمتهم أنك تركت السجود لآدم تعظيما لله وتوحيدا له وصيانة لعزته أن تسجد لغيره ، فجازاك على هذا الإجلال والتعظيم بغاية الإهانة والطرد ، وهذا أمر لم يخطر ببالك ولم تعتذر به إلى ربك وإنما كان الحامل لك على ترك السجود الكبر والكفر والنخوة الإبليسية ، ولو كان في نفسك التعظيم والإجلال لله وحفظ جانب التوحيد لحملك على المبادرة إلى طاعته. وهل التعظيم والإجلال إلا في امتثال أمره؟ ولقد قام لك من إخوانك أصحاب يحامون عنك ويخاصمون ربهم فيك ، وينحون عليك اعتذارا عنك وتظليما من ربك كما فعل صاحب «تفليس إبليس» في كتابه فإنه يقول فيه ما ترعد منه قلوب أهل