الوجه العاشر : إن هذا تقسيم فاسد لا ينضبط بضابط صحيح ، ولهذا عامة ما يسميه بعضكم مجازا يسميه غيره حقيقة ، وهذا يدعي أنه استعمل فيما لم يوضع له ؛ وذلك يدعى أن هذا موضوعه ، وذلك أنه ليس في نفس الأمر فرق يتميز به أحد النوعين عن الآخر فإن الفرق إما في نفس اللفظ وإما في المعنى وكلاهما منتف قطعا ، أما انتفاء الفرق في اللفظ فظاهر ، فإن اللفظ بما سميتموه حقيقة وما سميتموه مجازا واحد ، وأما الفرق المعنوى فمنتف أيضا إذ ليس بين المعنيين من الفرق ما يدل على أنه وضع لهذا ولم يوضع لهذا بوجه من وجوه الدلالة ، ولهذا لما تفطن بعض الفضلاء لذلك قال : إنما يعرف الفرق بين الحقيقة والمجاز بنص أهل اللغة على أن هذا حقيقة وهذا مجاز ، فإن أراد بأهل اللغة العرب العاربة الذين نقلت عنهم الألفاظ ومعانيها ، فلم ينص أحد منهم البتة على ذلك ؛ وإن أراد من نقل عنهم الألفاظ ومعانيها مشافهة من أئمة اللغة كالأصمعى والخليل والفراء وأمثالهم فكذلك وإن أراد المتأخرين منهم الذين قسموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز كابن جني والزمخشري وأبي علي وأمثالهم فهذا اصطلاح منهم لا إخبار عن العرب ، ولا عن نقلة اللغة أنهم نقلوه عن العرب ، وحينئذ فتعود المطالبة لهم بالفرق المطرد المنعكس بين ما سموه حقيقة وما سموه مجازا ، وسنذكر إن شاء تعالى فرقهم ونبطلها. يوضحه :
الوجه الحادي عشر : إن تمييز الألفاظ والتفريق بينها تابع لتمييز المعانى والتفريق بين بعضها وبعض ، فإذا لم يكن المعني الذي سموه حقيقيا منفصلا متميزا من المعنى الذي سموه مجازيا بفصل يعلم به أن استعماله في هذا حقيقة ، واستعماله في الآخر مجاز ، لم يصح التفريق في اللفظ ، وكان تسميته لبعض الدلالة حقيقة ولبعضها مجازا تحكما محضا.
الوجه الثاني عشر : إنهم اختلفوا هل تفتقر صحة الاستعمال المجازي إلى النقل في كل صورة ؛ كما تفتقر إلى ذلك الحقيقة أم لا ـ على قولين. والصحيح عندهم أنه لا يشترط. قالوا : وليس مورد النزاع في الأشخاص كزيد وأسد وبحر وغيث ، إذ لا تتوقف صحة هذا الإطلاق على كل شخص على النقل.