فنقول : لا يتحقق ذلك في الأشخاص ولا في الأنواع ، أما الأشخاص فظاهر ، فإنه لا يشترط في استعمال اللفظ في كل واحد منها النقل عن أهل اللغة إذا كانت العلاقة موجودة في الأفراد. وأما الأنواع فلا يكفى في استعمال اللفظ في كل صورة ظهور نوع من العلاقة المعتبرة ، فأن من العلاقات عندهم علاقة اللزوم ، بحيث يتجوز عن الملزوم إلى لازمه وعكسه ، وعلاقة التضاد بأن يتجوز من أحد الضدين إلى الآخر ، وعلاقة المشابهة ، وعلاقة الجوار والقرب ، وعلاقة تقدم ثبوت الصفة للحمل ، وعلاقة كونه آئلا إليها ، فبعضهم جعل أنواع العلاقات أربعة ، وبعضهم أوصلها إلى اثنى عشر علاقة ، وبعضهم أوصلها إلى خمسة وعشرين ، ولو أوصلها آخر إلى خمسة وسبعين لقبلوا منه.
ومن المعلوم أنه ما من شيئين إلا وبينهما علاقة من هذه العلاقات ، فإذا لم يشترط النقل في آحاد الصور واكتفى بنوع العلاقة لزم من ذلك صحة التجوز بإطلاق كل لازم على لازمه ، وكل لازم على ملزومه ، وكل ضد على ضده ، وكل مجاور على مجاوره وكل شيء كان على صفة ثم فاقها على ما اتصف بها ، وكل مشبه على مشبهه ، وفي ذلك من الخبط وفساد اللغات وبطلان التفاهم ووقوع اللبس والتلبيس ما يمنع منه العقل والنقل ومصالح الآدميين ، فيجوز تسمية الليل نهارا والنهار ليلا ، والمؤمن كافرا والكافر مؤمنا ، والصادق كاذبا والكاذب صادقا ، والمسك نتنا والنتن مسكا ، والبول طعاما والطعام بولا ، وتسمية كل شيء باسم ضده ، ومجاوره ومشابهه ، ولازمه وملزومه. فهل يقول هذا أحد من عقلاء بني آدم؟ وهل في العالم قول أفسد من قول هذا لازمه؟
ولما ورد عليهم وعرفوا أنه وارد لا محالة قالوا المانع يمنع من ذلك ، ولو لا المانع لقلنا به. فيقال : يا لله العجب ما أسهل الدعوى التي لا حقيقة لها عليكم. أليس من المعلوم أن إضافة الحكم إلى المانع يستلزم أمرين. أحدهما قيام المقتضي والآخر إثبات المانع ، فقد سلمتم حينئذ أن المقتضي للتجوز المذكور موجود ، وادعيتم على العرب وأهل اللغة أن هذا العلاقات عندهم مقتضية لإطلاق اسم الضد على ضده ، واللازم على ملزومه والمجاور على مجاوره ، ثم