ادعيتم أنهم منعوكم من هذا التجوز فيما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فمن أين لكم الشهادة عليهم بهذا المقتضى وهذا المانع ، وأين قالوا لكم أبحنا لكم إطلاق هذه الأضداد الخاصة على أضدادها ، وهذه اللوازم على ملزوماتها وحرمنا عليكم ما عداها وهل معكم غير الاستعمال الثابت عنهم. وذلك الاستعمال لا يفيد أن ذلك بوضعهم وعرفهم من خطابهم فما لم يستعملوه وما لم يتفاهموه من مخاطباتهم علمنا أنه ليس من لغتهم ، وما فهموه واستعملوه هو من لغتهم ، وإذا دار الأمر بين إضافة الحكم إلى عدم مقتضيه وإضافته إلى وجود مانعه تعينت حوالته على عدم مقتضيه تخلصا من دعوى التعارض والتناقض فإن الصورة الممنوع منها إذا كانت مثل الصورة المستعملة كان التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين ، والعقل يأباه ويمنع منه.
وهذه المحاولات إنما لزمت من تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم يوضحه :
الوجه الثالث عشر : إن الذين اشترطوا النقل قالوا : لو جاز الإطلاق من غير فعل لكان ذلك إما قياسا إن كان مستندا إلى وصف ثبوتي مشترك بين صورة الاستعمال وصورة الإلحاق. وإما اختراعا إن لم يستند إلى ذلك ، فأجابهم من لم يشترط النقل بأن قالوا : العلاقة مصححة للتجوز ، كرفع الفاعل ونصب المفعول ، فإنا لما استقرأنا لغتهم وجدناهم يرفعون ما نطقوا به من أسماء الفاعلين علمنا أن سبب الرفع هو الفاعلية وسبب النصب هو المفعولية ، فهكذا استقراء علاقات المجاز ، وليس كذلك إطلاقهم كل ضد على ضده ، وكل لازم على لازمه.
وهذا الجواب من أفسد الأجوبة ، فإنا نعلم بالضرورة من لغتهم رفع كل فاعل ونصب كل مفعول ، وجر كل مضاف ، ولا يختلف في ذلك صورة من الصور ، فإنا لم نجد ذلك بنقل تواتر ولا آحاد ولا استقراء يفيد علما ولا ظنا ولا اطراد استعمال ، فقياس التجوز بكل ضد على ضده ، وبكل ملزوم على ملزومه على رفع الفاعل ونصب المفعول من أفسد القياس.