الوجه السادس عشر : أن يقال ما تعنون بصحة النفي ، نفي المسمى عند الإطلاق أم المسمى عند التقييد أم القدر المشترك أم أمرا رابعا ، فإن أردتم الأول كان حاصله أن اللفظ له دلالتان :
دلالة عند الإطلاق ودلالة عند التقييد بل المقيد مستعمل في موضعه ، وكل منهما منفي عن الآخر ، وإن أردتم الثاني لم يصح نفيه فإن المفهوم منه هو المعنى المقيد فكيف يصح نفيه؟ وإن أردتم القدر المشترك بين ما سميتموه حقيقة ومجازا لم يصح نفيه أيضا ، وإن أردتم أمرا رابعا فبينوه لنحكم عليه بصحة النفي أو عدمه ، وهذا ظاهر جدا لا جواب عنه كما ترى.
الوجه السابع عشر : إن هذا النفي الّذي جعلتم صحته عيارا على المجاز ، وفرقا بينه وبين الاصطلاح الحقيقى ، هو الصحة عند أهل اللسان أو عند أهل الاصطلاح على التقسيم إلى الحقيقة والمجاز أو عند أهل العرف ، فمن هم الذين يستدل بصحة نفيهم ، ويجعل عيارا على كلام الله ورسوله ، بل كلام كل متكلم؟ فإن كان المعتبر نفي أهل اللسان ، طولبتم بصحة النقل عنهم بأن هذا يصح نفيه وهذا لا يصح نفيه ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا ، وإن كان المعتبر نفي أهل الاصطلاح لم يفد ذلك شيئا ، لأنهم اصطلحوا على أن هذا مجاز ، فيصح لهم نفيه ، وهذا حقيقة فلا يصح لهم نفيه ، فكان ما ذا؟ وهل استفدنا بذلك شيئا وإن كان الاعتبار بصحة نفي أهل العرف فنفيهم تابع لعرفهم وفهمهم ، فلا يكون عيارا على أصل اللغة.
الوجه الثامن عشر : إن صحة النفي مدلول عليه بالمجاز فلا يكون دليلا عليه إذ يلزم منه أن يكون الشيء دليلا على نفسه ومدلولا لنفسه ، وهذا عين لزوم الدور.
الوجه التاسع عشر : أنكم فرقتم أيضا بينهما أن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن ، فالمدلول إن تبادر إلى الذهن عند الإطلاق كان حقيقة ، وكان غير المتبادر مجازا فإن الأسد إذا أطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع ، فهذا الفرق