فاقتبسنا منه علما كان حقيقة ، وكذلك إذا قلت : خرجنا في السفر فعرض لنا الأسد فقطع علينا الطريق كان كلاما بينا بنفسه في المراد منه ، فإذا قلت : نزلنا على الأسد فحمانا وأقرأنا كان بينا بنفسه وكان حقيقة ، وهو موضوع لكلا المعنيين مستعمل في موضوعه كالمطلق والمقيد سواء. فأي فرق بين ذلك حتى يدعى المجاز في بعض الاستعمالات والحقيقة في بعضها.
ولهذا لما تفطن لهذا من تفطن له من الأذكياء صاروا فريقين : فرقة أنكرت المجاز بالكلية ، وفرقة ادعت أن اللغة كلها إلا النادر منها مجاز ، فإنهم رأوا فساد تلك الفروق وتناقضها فلم يرضوا لأنفسهم بالتناقض والتحكم البارد.
يوضحه :
(اللغة على قولهم إما أن تكون كلها حقيقة أو كلها مجازا)
الوجه الثامن والثلاثون : إنه إن كان في اللغة مجاز على الوجه الذي يذكرونه لزم أن يكون كلها مجازا ، وإن كانت مشتملة على الحقيقة فكلها حقيقة.
بيان ذلك أن المفردات ثلاثة أنواع : أسماء وأفعال وحروف ، وهي روابط بين الأسماء والأفعال ، وهذه الروابط لها دلالتها على معناها الإفرادى مشروط بذكر متعلقاتها وهو القرينة المبينة لمعناها ؛ فدلالتها الموقوفة على القرينة لا تدل بمطلقها ، وذلك أمارة المجاز عندهم ، بل هذا أبلغ في ثبوت المجاز حيث كانت القرينة شرطا في إفادتها ، فهم بين أمرين : إما أن يدعوا أن الحروف كلها مجاز فهذا غلط ، لو كان المجاز ثابتا فإنها لم يسبق لها موضوع غير موضوعها الذي هى مستعملة فيه ، بل استعمالها في موضوعاتها. وإما أن يقول إن توقف فهم معناها على القرينة لا يوجب لها أن تكون مجازا فيقال لهم : هكذا الأسماء والأفعال التي لها دلالة عند الاقتران ودلالة عند التجرد لا يؤدي توقف فهم معناها عند الاقتران على القرينة أن تكون مجازا. وهل الفرق إلا تحكم محض؟
فإن قلتم : الأسماء والأفعال لها دالتان : دلالة عند التجرد ودلالة عند