اللفظ العام لشيئين في النهى يتناول النهى عن كل منهما بخلاف الأمر فإنه يتناولهما جميعا فلا يكون ممتثلا للنهى حتى يتركهما جميعا ولا للأمر حتى يفعلهما جميعا فقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء : ٢٢) يقتضي المنع من نكاح من عقد عليها الآباء ولم يدخلوا نهى وتحريم من وطئهن الآباء ولم يعقدوا عليهن ، وقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ـ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) (النساء : ٣ ، النور : ٣٢ ، النساء : ٢٥) ليس المراد به عقدا مجردا عن وطء ولا وطئا مجردا عن عقد بل هما جميعا ، وقد تقدم ذكر فروقهم وإبطالها ، وإنما أعدنا هذا الفرق لبيان أن القائلين بالمجاز قد أبطلوه وأنه باقتضاء ضد قولهم أولى.
(معاني الكلام : إما خبر وإما طلب وإما استفهام)
الوجه السادس والأربعون : إن معاني الكلام إما خبر وإما طلب وإما استفهام ، والطلب أمر ونهى وإنشاء ، وهذه حقائق ثابتة في أنفسها معقولة متميزة يميز العقل بينها ويحكم بصحة أقسامها ، وكذلك كان تقسيم الكلام إليها صحيحا ، لأنه لما صح تقسيم معناه صح تقسيم لفظه.
فإذا قيل الطلب ينقسم إلى أمر ونهى كان كل من المنقسمين متميزا بحقيقته عن الآخر لفظا ومعنى ، وهذا بخلاف تقسيم المعنى المدلول عليه إلى حقيقة ومجاز فإنه أمر لا يعقل ولا ينفصل فيه أحد القسمين عن الآخر ، فإن المعانى المتصورة إما أن تكون مفردة كتصور الماهيات تصورا ساذجا من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات فهذه لا يتصور فيها التقسيم إلى حقيقة ومجاز. فإنها مجرد صور ذهنية تنتقش في النفس الناطقة ، وإما أن ينسب الذهن بعضها إلى بعض نسبة خبرية أو طلبية وهذه حقيقة الكلام المركب ، وهذه النسبة إما من باب العلوم إن كانت خبرية وإما من باب الإرادات إن كانت طلبية ، والنسبة الخبرية إما صادقة إن طابقت متعلقها وإما كاذبة إن لم تطابقه ، والنسبة الطلبية إما أن يكون المطلوب بها معدوما ، فيطلب إيجاده وهو الأمر أو موجودا فيطلب إعدامه ، أو معدوما