موضوع وهذا موضوع ، وهذا مستعمل وهذا مستعمل ، وهذا لا يحتمل غير معناه وهذا لا يحتمل غير معناه ؛ فأي كتاب أو سنة أو عقل أو نظر أو قياس صحيح أو مناسبة معتبرة أو قول من يحتج بقوله جعل هذا حقيقة وهذا مجاز ، وهذا يتبين ويظهر جدا.
الوجه التاسع والأربعون : وهو أن الخائضين في المجاز تارة يخوضون فيه إخبارا وحملا لكلام المتكلم عليه ، وتارة يخوضون فيه استعمالا في الخطب والرسائل والنظم والنثر ، فينقلون ألفاظا لها معان في اللغة إلى معان أخر تشابهها ، ويقولون استعرنا هذه الألفاظ لهذه المعانى ، لا يخرج كلامهم في المجاز عن هذين الأصلين البتة ، فيجب التمييز بين الحمل والاستعلام ، فإذا قالوا نحمل هذا اللفظ في كلام المتكلم على مجازه ، إما أن يريدوا به الإخبار عنه بأنه صرفه عن معناه المفهوم منه في أصل التخاطب إلى غيره ؛ فهذا خبر ، وهو إما صدق إن طابق الواقع ، وإما كذب إن لم يطابق ، فمن أين لكم أنه لم يرد به معناه المفهوم منه عند الخطاب.
وإن عنيتم بالحمل إنا ننشئ له من عندنا وضعا لمعنى يصح أن يستعمل فيه ثم نعتقد أن المتكلم أراد ذلك المعنى ، كان هذا خطأ من وجهين (أحدهما) إنشاء وضع جديد لذلك اللفظ (الثاني) اعتقاد إرادة المتكلم لذلك المعنى وتنزيل كلامه على ذلك الوضع ، فإذا قال قائل : اليد مجاز في القدرة ، والاستواء مجاز في الاستيلاء ، والرحمة مجاز في الإنعام ، والغضب مجاز في الانتقام ، والتكلم مجاز في الإنعام ، والقرب مجاز في الإكرام (قيل) تعنون بكونها مجازا في ذلك أن لكم أن تستعملوها في هذه المعانى وتعبرون عنها بهذه العبارات ، أم تعنون إنها إذا وردت في كلام الله ورسوله كان المفهوم منها هذه المعانى وهي مجازات فيها ، فإن أردتم (الأول) فأنتم وذاك فاستعملوها فيما أردتم ، وسموا ذلك الاستعمال ما شئتم ، وإن أردتم (الثانى) كنتم مخطئين من وجهين : (أحدهما) حكمكم على الله ورسوله أنه أراد بهذه الالفاظ خلاف معانيها المفهومة منها عند التخاطب ، فإذا هذا ضد البيان والتفهيم وهو بالتلبيس