وحقيقته لا يكون مجازا البتة ؛ وهؤلاء تارة يجعلونه مجازا فيما لا ظاهر له غير معناه ، فيكون خطؤهم في اللفظ والتسمية ، وتارة يجعلونه مجازا في خلاف ظاهره والمفهوم منه ويدعون أنه المراد ، فيكونون مخطئين من وجهين ، من جهة اللفظ والمعنى.
(منهم من قال : إن أكثر ألفاظ القرآن واللغة مجازا)
الوجه الخمسون : إن القائلين بالمجاز ، منهم من أسرف فيه وغلا حتى ادعى أن أكثر ألفاظ القرآن بل أكثر اللغة مجاز ، واختار هذا جماعة ممن ينتسب إلي التحقيق والتدقيق ، ولا تحقيق ولا تدقيق ، وإنما هو خروج عن سواء الطريق ومفارقة للتوفيق ، وهؤلاء إذا ادعوا أن المجاز هو الغالب صار هو الأصل ، ولا يصح قولهم أصل الحقيقة ، وإذا تعارض المجاز والحقيقة تعينت الحقيقة ، إذ الإلحاق بالغالب الكثير أولى منه بالنادر الأقل.
فإن الأصل يطلق على معان أربعة : (أحدها) ما منه الشيء ، وهذا أولى معانيه باللغة كالخشب أصل السرير ، والحديد أصل السيف ، (الثاني) : دليل الشيء كأصول الفقه أى أدلته ، (الثالث) : الصور المقيس عليها ، والمقيسة هى الفرع ، (الرابع) : الأكثر أصل الأقل ، والغالب أصل المغلوب ، ومنه أصل الحقيقة ، فإذا كان المجاز هو الأكثر الغالب بقي هو الأصل ، وحينئذ فطرد قول هؤلاء إنه إذا ورد اللفظ يحتمل الحقيقة والمجاز يحمل على مجازه لأنه الأكثر والغالب ، وفي هذا من فساد العلوم والأديان وفساد البيان الذي علمه الرحمن الإنسان ، وعده عليه من جملة الإحسان والامتنان ما لا يخفى. وإذ قد انتهى الأمر إلى هذا فلا بد من ذكر قول هذا القائل وبيان فساده فنقول في :
* * *