الدليل على أن قام وقعد مجاز ، وهو مع ذلك يؤكد بالمصدر ، وكذلك يكون قوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) من هذا الوجه مجازا على ما مضى.
ومن التوكيد في المجاز قوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ولم تؤت لحية رجل ولا ذكره. قال : ووجه هذا عندى أن يكون مما حذفت صفته ، حتى كأنه قال : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (النمل : ٢٣) تؤتاه المرأة الملكة ، ألا ترى لو أوتيت لحية وذكرا لم تكن امرأة أصلا ، ولما قيل فيها (وأوتيت) وقيل فيها (وأوتى) ومنه قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وهو سبحانه شيء ، وهو ما يستثنيه العقل ببديهته ولا يحوج إلى التشاغل باستثنائه ، فإنه الشيء كائنا ما كان لا يخلق نفسه.
فأما قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف : ٧٦) فحقيقة لا مجاز ، وذلك أنه سبحانه ليس عالما بعلم ، فهو إذا العليم الذي فوق ذوي العلوم أجمعين ، ولذلك لم يقل وفوق كل عالم عليم ، لأنه سبحانه عالم ولا عالم فوقه.
فإن قلت : ليس قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) اللفظ المعتاد للتوكيد (قيل) هو إن لم يأت نابعا على سمة التوكيد فإنه بمعنى التوكيد. ألا ترى أنك إذا قلت عممت بالضرب جميع القوم ، ففائدته فائدة قولك ضربت القوم كلهم ، فإذا كان المعنيان واحدا كان ما وراء ذلك لغوا غير معتد به «هذا آخر كلامه».
الرد على ذلك :
والكلام عليه من وجوه (أحدها) أن تعلم أن هذا الرجل وشيخه أبا علي من كبار أهل البدع والاعتزال المنكرين لكلام الله تعالى وتكليمه فلا يكلم أحدا البتة ، ولا يحاسب عباده يوم القيامة بنفسه وكلامه ، وأن القرآن والكتب السماوية مخلوق من بعض مخلوقاته ، وليس له صفة تقوم به ، فلا علم له عندهم ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ، وإنه لا يقدر على خلق أفعال العباد ، وأنها واقعة منهم بغير اختياره ومشيئته ، وأنه شاء منهم خلافها وشاءوا