هم خلاف ما شاء ، فغلبت مشيئتهم ، وكان ما شاءوه هم دون ما شاء هو فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون ، (وهو خالق) عند هذا الضال المضل ، وعالم مجازا لا حقيقة ، والمجاز يصح نفيه ، فهو إذا عنده لا خالق ولا عالم (إلا) على وجه المجاز ، فمن هذا خطؤه وضلاله في أصل دينه ومعتقده في ربه وإلهه ، فما الظن بخطئه وضلاله في ألفاظ القرآن ولغة العرب ، فحقيق بمن هذا مبلغ علمه ونهاية فهمه أن يدعى أن أكثر اللغة مجاز ويأتى بذلك الهذيان ولكن سنة الله جارية أن يفضح من استهزأ بحزبه وجنده ، وكان الرجل وشيخه في زمن قوة شوكة المعتزلة ، وكانت الدولة دولة رفض واعتزال ، وكان السلطان عضد الدولة ابن بويه وله صنف أبو علي «الإيضاح» وكان الوزير اسماعيل بن عباد معتزليا وقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد معتزليا (وأول) من عرف منه تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هم المعتزلة والجهمية. وهذا الوجه مقدمة بين يدى رد ما في كلامه باطل ، فإنه يشتمل على حق وباطل.
الوجه الثاني : إن ما ادعى فيه إنه مجاز دل على المراد منه مطلقا من غير توقفه على قرينة ، وهذا حد الحقيقة عندهم ، فإن المعنى يسبق إلى الفهم من هذا اللفظ بمجره ولا يصح نفيه ولا يتوقف على قرينة ، فكيف يكون مجازا ، فإن قال بل تركيبه مع المسند إليه واتصاله بالمفعول والحال والتمييز والتوابع والاستثناء ونحوها من القرائن التي تدل على المعنى ، قيل له : فلا يخلوا كلام مفيد من هذا التركيب البتة ، أفنقول إن الجميع مجاز أو النصف مجاز والنصف حقيقة فإن قلت في الجميع مجاز كنت مبطلا رافعا للحقيقة بالكلية ومدع على خطاب الله ورسوله وخطاب الأمم أنه كله مجاز لا حقيقة ، ويكفيك هذا جهلا وكذبا.
وإن قلت : بل البعض حقيقة والبعض مجاز قيل لك : فما ضابط ذلك ولا يمكنك أن تأتي بضابط أبدا ، وقد أغلقت على نفسك باب الحقيقة بالكلية ، فإن كل لفظ تقر بأنه حقيقة يلزمك فيه نظير ما ادعيت انه مجاز ، ولا شيء أبلغ من خلق الله تعالى وعلم الله ، والله خالق كل شيء ، وقد ادعيت أنه مجاز لا حقيقة ولا شيء أظهر من طلوع الشمس على الخلائق عيانا جهرة ، فإذا رآها