الرجل وإذا كان ليس من ألفاظ العموم فلم يوضع في غير موضعه ، ولا استعمل إلا في موضوعه ، ومن يجعله للعموم من أهل الأصول والفقهاء يقولون إنما يكون للعموم حيث يصلح أن تخلف اللام فيه كل نحو قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر : ٢) ، ونحو قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (المعارج : ١٩) ، ولهذا صح الاستثناء منه ، وذلك حيث لا يكون عهد القرينة والسياق دالا على إرادة جميع أفراد الجنس ، وهذا منتف في قوله : خرجت فإذا الأسد ، فهو إنما يدل على العموم بقرينة ، كما يدل على العهد بقرينة ، فدعوى المجاز في بعض موارده دون بعض تحكم بارد لا معنى له ، ودعوى المجاز في جميعها باطل ، فلم يبق إلا أنه حقيقة حيث استعمل وهو الصواب.
الوجه العاشر : قوله : (خرجت فإذا الأسد) اتساع وتوكيد وتشبيه ، أما الاتساع فإنه وضع اللفظة المعتادة للجماعة على الواحد ، وأما التوكيد فلأنه عظم قدر (ذلك) الواحد بأن جاء باللفظة على اللفظ المعتاد للجماعة. وأما التشبيه فلأنه شبه الواحد بالجماعة.
ثم قال : وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر وانطلق محمد ، وجاء الليل وانصرم النهار ـ خطأ من وجهين : (أحدهما) أنه مبني على أن الأسد دل على الجمع ؛ وأنه تجوز فاستعمله في الواحد ، وقد عرفت ما فيه ، (الثاني) إنه لو صح له ذلك لم يكن قعد جعفر ، وانطلق محمد ، وجاء الليل مثله ، فإن هذه الأفعال لا تدل على قعود وانطلاق ومجيء عام لكل فرد البتة ؛ بحيث يكون استعمالها فيمن وجد منه بعض ذلك الجنس مجازا ، فليس ثم دلالتان عامة وخاصة بخلاف الأسد ، فإنه يمكن تقدير دلالته عامة وخاصة له ، فإذا استعمل في أحدهما يكون استعماله له في غير مدلوله الآخر ، فكيف يمكن مثل ذلك في الأفعال؟ فهل يعقل ذو تحصيل لقام وقعد وانطلق دلالتين قط عامة وخاصة ، وليس العجب من تسويد الورق بهذا الهذيان. وإنما العجب من أذهان تقبله وتستحسنه.