سمع ، وإذا كان كذلك فكان قولنا علم الله قيام زيد مجازا عندهم إذ لا علم له وعلمه فعل يدل على المصدر والصفة وليس في نفس الأمر عندهم لله علم ولا قدرة فجاء المجاز وانتفت الحقيقة.
فيقال لهم : قولكم أن الحال التي علم الله عليها قيام زيد ليست هي الحال التي علم عليها قيام عمر ، هذه الحال أمر وجودي أم عدمي ؛ فإن كانت عدمية فهي لا شيء كاسمها ، وإن كانت وجودية فإما أن تقوم بالعالم أو المعلوم أو بنفسها ، وقيامها بنفسها محال لأنها معنى ، وقيامها أيضا بالمعلوم محال لأنها لو قامت منه لكان هو العالم المدرك فتعين قيامها بالعالم ، هذه هى صفة العلم التي أنكرتموها ، وهذا مما لا سبيل لكم إلى دفعه ؛ ولهذا لما أقر به ابن سينا ألزمه ابن الخطيب بثبوت الصفات إلزاما لا محيد له عنه ، فجاء ثور طوس وعلم أن ذلك يلزمه ففر إليه ما أضحك منه العقلاء وقال : أقول إن العلم هو نفس المعلوم ، فأعجب من ضلال هؤلاء القوم وفساد عقولهم أيكون الضارب هو نفس المضروب والشاتم نفس المشتوم ؛ والذابح هو نفس المذبوح ؛ والناكح هو نفس المنكوح؟ هذا أشد مناقضة للعقول من قول من قال الخالق نفس المخلوق ، فهؤلاء جعلوا الفعل هو عين المفعول ؛ ولم يثبتوا للفاعل فعلا يقوم به ؛ وهذا جعل العلم نفس المعلوم ؛ لم يجعل للعالم علما يقوم به.
الوجه الثامن عشر : قولك : وكذلك أيضا ضربت عمر مجاز من غير جهة التجوز في الفعل وإنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه ولكن من جهة أخرى وهى أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه.
فيقال : الأمر ، إن كان كذلك فإن العرب لم تضع لفظة ضربت زيدا لغير هذا المعنى ثم نقلته إلى غيره حتى يكون مجازا فيه ؛ بل لم تضعه ولم تستعمله قط إلا فيما يفهم منه كل أحد ؛ فدعوى أن ذلك مجاز كذب ظاهر على اللغة ، فلو أنهم وضعوا ضربت زيدا لوقوع الضرب على جميع أجزائه الظاهرة والباطنة ثم نقلوه إلى استعماله في إيقاعه على جزء من أجزاء بدنه أمكن أن يكون مجازا