فصل
فهذا الكلام في المجاز على وجه كلي ، ونحن نذكر ما ادعوا فيه المجاز من كلام الله وكلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على وجه التفصيل. وذلك إنما يتبين بذكر أمثلة ادّعوا فيها المجاز.
(١) المثال الأول في : «المجيء»
(المثال الأول) قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] وقوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [الأنعام : ١٥٨]. ونظائره قيل هو من مجاز الحذف تقديره وجاء أمر ربك ، وهذا باطل من وجوه.
(أحدها) أنه إضمار ما لا يدل عليه بمطابقة ولا تضمن ولا لزوم ، وادعاء حذف ما لا دليل عليه يرجع لوثوقه من الخطاب ، ويطرق كل مبطل على ادعا إضمار ما يصح باطله.
(الثاني) إن صحة التركيب واستقامة اللفظ لا تتوقف على هذا المحذوف.
بل الكلام مستقيم تام قائم المعنى بدون إضمار ، فإضماره مجرد خلاف الأصل فلا يجوز.
(الثالث) إنه إذا لم يكن في اللفظ دليل على تعيين المحذوف كان تعيينه قولا على المتكلم بلا علم ، وإخبارا عنه بإرادة ما لم يقم به دليل على إرادته ، وذلك كذب عليه.
(الرابع) إن في السياق ما يبطل هذا التقدير ، وهو قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) (الفجر : ٢٢) فعطف مجيء الملك على مجيئه سبحانه يدل على تغاير المجيئين ، وإن مجيئه سبحانه حقيقة ، كما أن مجيء الملك حقيقة ، بل مجيء الرب سبحانه أولى أن يكون حقيقة من مجيء الملك ، وكذلك قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) (الأنعام : ١٥٨) ففرق بين إتيان الملائكة الرب وإتيان بعض آيات ربك ، فقسم ونوع ، ومع هذا التقسيم يمتنع أن يكون القسمان واحدا فتأمله.