(التاسع) إن هذا الذي ادعوا حذفه وإضماره يلزمهم فيه كما لزمهم فيما أنكروه فإنهم إذا قدروا وجاء أمر ربك ويأتى أمره ويجيء أمره وينزل أمره ، فأمره هو كلامه وهو حقيقة ، فكيف تجيء الصفة وتأتي وتنزل دون موصوفها ، وكيف (ينزل) الأمر ممن ليس هو فوق سماواته على عرشه.
ولما تفطن بعضهم لذلك قال : أمره بمعنى مأموره ، فالخلق والرزق بمعنى المرزوق فركب مجازا على مجاز بزعمه ولم يصنع شيئا ، فإن مأموره هو الذي يكون ويخلق بأمره ، وليس له عندهم أمر يقوم به ، فلا كلام يقوم به ، وإنما ذلك مجاز الكناية عن سرعة الانفعال بمشيئته تشبيها بمن يقول : كن ، فيكون الشيء عقيب تكوينه ، فركبوا مجازا على مجاز ولم يصنعوا شيئا ، فإن هذا المأمور الذي يأتي إن كان ملكا فهو داخل في قوله : (أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) وإن كان شيئا غير الملك فهو آية من آياته فيكون داخلا في قوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ).
(العاشر) إن ما ادعوه من الحذف والإضمار إما أن يكون في اللفظ وما يقتضيه ويدل عليه أولا ، فإن كان الثاني لم يجر ادعاؤه ، وإن كان الأول كان كالملفوظ به ، وعلي التقديرين فلا يكون مجازا ، فإن المدلول عليه يمتنع تقديره.
* * *
فصل
(٢) المثال الثاني في : صفة الرحمة
واسمه تعالى (الرحمن)
(المثال الثاني) مما ادعوا أنه مجاز اسمه سبحانه (الرحمن) وقالوا وصفه بالرحمة مجاز ، قالوا : لأن الرأفة والرحمة هي رقة تعتري القلب ، وهى من الكيفيات النفسية ، والله منزه عنها ، وهذا باطل من وجوه.
(أحدها) أنهم جحدوا حقيقة الرحمة فقالوا : إن نسبتها إلى الله تعالى محال ، وأنه ليس برحيم بعباده على الحقيقة ، وقد سبقهم إلى هذا النفي مشركوا