المخلوق بالخالق في صفات الإلهية حتى عبده من دونه ، لأنه هو الواقع من بني آدم يشبهون أوثانهم ومعبودهم بالخالق في الإلهية قال تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (مريم : ٦٥) أي من يساميه ويماثله ، وقال تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) فنفى عن المخلوق مماثلته ومكافأته ومشابهته ومساماته الذي هو أصل شرك بني آدم فضرب المتكلمون عن ذلك صفحا وأخذوا في المبالغة في الرد على من شبه الله بخلقه ، ولا نعلم فرقة من فرق بني آدم استقلت بهذه النحلة وجعلتها مذهبا تذهب إليه حتى ولا المجسمة المحضة الذين حكى أرباب المقالات مذاهبهم كالهاشمية والكرامية الذين قالوا إن الله جسم لم يقولوا إنه مماثل للأجسام بل صرحوا بأن معنى كونه جسما أنه قائم بنفسه موصوف بالصفات ، ومثبتوا الصفات لا ينازعونه ، في المعنى وإن نازعوهم في بعض المواضع.
(أنواع الإلحاد في أسماءه سبحانه)
الوجه الثاني : إن الإلحاد إما أن يكون بإنكار لفظ الاسم أو بإنكار معناه فإن كان إنكار لفظه إلحاد فمن ادعى أن الرحمن مجاز لا حقيقة فإنه يجوز إطلاق القول بنفيها فلا يستنكف أن يقول ليس بالرحمن ولا الرحيم كما يصح أن يقال للرجل الشجاع ليس بأسد على الحقيقة ، وإن قالوا نتأدب في إطلاق هذا النفي فالأدب لا يمنع صحة الإطلاق ، وإن كان الإلحاد هو إنكار معاني اسمائه وحقائقها فقد أنكرتم معانيها التي تدل عليها بإطلاقها ، وما صرفتموه إليه من المجاز فنقيض معناه أو لازم من لوازم معناها ، وليس هو الحقيقة ، ولهذا يصرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية ، ويقولون هي ألفاظ لا معاني لها.
الوجه الثالث : إن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن) هو بعينه موجود في اسم العليم ، والقدير ، والسميع ، والبصير ، وسائر الأسماء فإن المعقول من العلم صفة عرضية تقوم بالقلب إما ضرورية وإما نظرية ، والمعقول من الإرادة حركة النفس الناطقة لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها أو ينفع غيرها أو يضره ، والمعقول من القدرة القائمة بجسم تتأتى به الأفعال الاختيارية