إبليس مخلوق بقدرته سبحانه ، فأى مزية ولآدم على إبليس في قوله (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يوضحه :
(خلق آدم باليدين ينفي المجاز عنهما)
الوجه التاسع : إن الله جعل ذلك خاصة خص بها آدم دون غيره ، ولهذا قال له موسى وقت المحاجة : أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ؛ وكذلك يقول له أهل الموقف إذا سألوه الشفاعة ، فهذه أربع خصائص له ؛ فلو كان المراد باليد القدرة لكان بمنزلة أن يقال له : خلقك الله بقدرته فأي فائدة في ذلك ، يوضحه :
الوجه العاشر : إنك لو وضعت الحقيقة التي يدعي هؤلاء أن اليد مجاز فيها موضع اليد لم يكن في الكلام فائدة ، ولم يصح وضعها هناك فإنه سبحانه لو قال : ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي ، وقال له موسى : أنت أبو البشر الذي خلقك الله بقدرته ، وقال له أهل الموقف ذلك : لم يحسن ذلك الكلام ولم يكن فيه من الفائدة شيء ، وتعالى الله أن ينسب إليه مثل ذلك فإن مثل هذا التخصيص إنما خرج مخرج الفضل له على غيره وأن ذلك أمر اختص به لم يشاركه فيه غيره ، فلا يجوز حمل الكلام على ما يبطل ذلك.
الوجه الحادي عشر : إن نفس هذا التركيب المذكور في قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يأبى حمل الكلام على القدرة لأنه نسب الخلق إلى نفسه سبحانه ثم عدى الفعل إلى اليد ثم ثناها ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قوله : كتبت بالقلم. ومثل هذا النص صريح لا يحتمل المجاز بوجه ، بخلاف ما لو قال : عملت كما قال تعالى : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى : ٣٠) ـ (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (الحج : ١٠) فإن نسب الفعل إلى اليد ابتداء ، وخصها بالذكر لأنها آلة الفعل في الغالب ، ولهذا لما لم يكن خلق الأنعام مساويا لخلق أبي الأنام قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) (يس : ٧١) فأضاف الفعل إلى الأيدى وجمعها ولم يدخل عليها الباء فهذه ثلاثة فروق تبطل إلحاق أحد الموضعين بالآخر ، ويتضمن التسوية بينهما عدم مزية أبينا آدم على الأنعام ، وهذا