الوجه السابع عشر : وهو أن الإضافة في يد الشمال ويد الحائط ويد الليل بينت أن المضاف من جنس المضاف إليه ، والإضافة في البعير والفرس وغيرهما من الحيوان كذلك ، والإضافة في يد الملك والجن تبين أيضا أن يديهما من جنسيهما ، وكذلك الإضافة في يد الإنسان ، وكل ذلك حقيقة ، كذلك إضافة اليدين إلى الرحمة في قوله (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (الفرقان : ٤٨) وإلى النجوى في قوله (بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فإن بين يدي الشيء أمامه وقدامه ، وهذا مما يتنوع فيه المضاف إليه ، وإن اختلفت ماهية الحقيقة وصفتها ، وتنوعت بتنوع المضاف إليه.
فإن قيل يد الله ووجهه ، وسمعه وبصره ، وحياته وعلمه ، وقدرته ومشيئته وإتيانه واستواؤه ، كان ذلك حقيقة ، والمضاف فيه بحسب المضاف إليه ، فإذا لم يكن المضاف إليه مماثلا لغيره ، لزم أن يكون المضاف كذلك ضرورة ، فدعوى لزوم التشبيه والتمثيل في إثبات المضاف حقيقة زعم كاذب ، فإن لزم من إثبات اليد حقيقة لله : التمثيل والتشبيه لزم ذلك في إثبات سائر الصفات له حقيقة ، ويلزم ذلك في إثبات صفاته ، فإن الصفة القديمة متى أشبهت صفات المخلوقين لزم وقوع التشبيه بين الذاتين.
الوجه الثامن عشر : أن يقال ما الذي يضركم من إثبات اليد حقيقة ، وليس معكم ما ينفي ذلك من أنواع الأدلة لا نقليها ، ولا عقليها ، ولا ضروريها ، ولا نظريها فإن فررتم من الحقيقة خشية التشبيه ، والتمثيل ، ففروا من إثبات السمع ، والبصر والحياة ، والعلم ، والإرادة ، والكلام خشية هذا المحذور.
ثم يقال لكم : توهمكم لزوم التشبيه والتمثيل من إثبات هذه الصفة وغيرها وهم باطل وليس في المخلوقات يد يمسك السموات والأرض وتطويها ، ويد تقبض الأرضين السبع ولا إصبع توضع عليها الأرض ، وإصبع توضع عليها الجبال فلو كان في المخلوقات يد وإصبع يد هذا شأنها لكان لكم عذر ما في توهم التشبيه والتمثيل من إثبات اليد الأصبع لله حقيقة ، وإنما هذا تلبيس منكم علي ضعفاء العقول.