وجه الله الأعلى ذي الجلال والإكرام قطع ببطلان قول من حملها على المجاز ، وأنه الثواب والجزاء ، لو كان اللفظ صالحا في ذلك لغة ، فكيف واللفظ لا يصلح لذلك لغة ، فمنها قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) وقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (الليل : ١٩ ، ٢٠).
الوجه السادس عشر : إن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وجميع أهل السنة والحديث والأئمة الأربعة ، وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين يرون وجه ربهم في الجنة ، وهي الزيادة التي فسر بها النبي صلىاللهعليهوسلم والصحابة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (يونس : ٢٦) فروى مسلم «صحيحه» بإسناده عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» قال «النظر إلى وجه الله تعالى» (١) فمن أنكر حقيقة الوجه لم يكن للنظر عنده حقيقة ، ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو ، فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد ، وإن أحسن العبارة قال : هو معنى ويقوم بالقلب نسبته إليه كنسبة النظر إلى العين ، وليس في الحقيقة عنده نظر ولا وجه ولا لذة تحصل للناظر.
الوجه السابع عشر : إن الوجه حيث ورد فإنما مضافا إلى الذات في جميع موارده. والمضاف إلى الرب تعالى نوعان : أعيان قائمة بنفسها : كبيت الله ، وناقة الله ، وروح الله ، وعبد الله ، ورسول الله ـ فهذا إضافة تشريف وتخصيص ، وهي إضافة مملوك إلى مالكه.
(الثاني) صفات لا تقوم بنفسها كعلم الله وحياته وقدرته وعزته وسمعه وبصره ونوره وكلامه ، فهذه إذا وردت مضافة إليه فهي إضافة صفة إلى الموصوف بها.
إذا عرف ذلك بوجهه الكريم وسمعه وبصره إذا أضيف إليه وجب أن تكون إضافته إضافة وصف لا إضافة خلق ، وهذه الإضافة تنفي أن يكون الوجه مخلوقا ، وأن يكون حشوا في الكلام ، وفي «سنن أبي داود» عنه صلىاللهعليهوسلم أنه كان
__________________
(١) رواه مسلم (١٨١) من حديث صهيب رضي الله عنه.