إذا دخل المسجد قال : «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» (١) فتأمل كيف قرن في الاستعاذة بين استعاذته بالذات وبين استعاذته بالوجه الكريم ـ وهذا صريح في إبطال قول من قال أنه الذات نفسها وقول من قال أنه مخلوق.
الوجه الثامن عشر : إن تفسير وجه الله بقبلة الله وإن قاله بعض السلف كمجاهد وتبعه الشافعي ، فإنما قالوه في موضع واحد لا غير وهو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥) فهب أن هذا كذلك في هذا الموضع ، فهل يصح أن يقال ذلك في غيره في المواضع التي ذكر الله تعالى فيها الوجه ، فما يفيدكم هذا في قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) وقوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) وقوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (الإنسان : ١٠) على أن الصحيح في قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه ، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافا إلى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد ، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة وهو قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة ، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة ، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى ، يوضحه :
الوجه التاسع عشر : أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها ، والوجه له اسم يخصه ، فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له. نعم القبلة تسمى وجهة كما قال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا) (البقرة : ١٤٨) وقد تسمى جهة وأصلها وجهة لكن أعلمت بحذف فائها كزنة وعدة وإنما سميت قبلة ووجهة لأن الرجل يقابلها ويواجهها بوجهه وأما تسميتها وجها فلا عهد به ،
__________________
(١) [صحيح] رواه أبو داود (٤٦٦) وسكت عنه وصححه الشيخ الألباني في «صحيح أبي داود».