كغيرها من الحياة وسمع وبصر ليسا كالأسماع والأبصار ، وليس إلا هذا المسلك ، ومسلك التعطيل المحض والتناقض الذي لا يثبت لصاحبه قدم في النفي ولا في الإثبات وبالله التوفيق ، وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول كل ما يخالف نحلتها وأصلها ، فالعيار عندهم فيما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه ، ما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها تأولوه.
* * *
فصل
في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلا نظير ما فروا منه
وهو فصل بديع يعلم منه أن المتأولين لم يستفيدوا بتأويلهم إلا بتعطيل حقائق النصوص ، وأنهم لم يتخلصوا مما ظنوه محذورا بل هو لازم لهم فيما فروا إليه كلزومه فيما فروا منه ، بل قد ينفون ما هو أعظم محذورا كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء فرارا من التحيز والحصر. ثم قالوا : هو في كل مكان بذاته. فنزهوه عن استوائه على عرشه ومباينته لخلقه وجعلوه في أجواف البيوت والآبار والأواني والأماكن التي يرغب عن ذكرها.
ولما علم متأخرو الجهمية فساد ذلك قالوا : ليس وراء العالم ولا فوق العرش إلا العدم المحض ، وليس هناك رب يعبد ولا إله يصلّى له ويسجد ، ولا هو أيضا في العالم. فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان.
فإذا تأول المتأول المحبة والرحمة والرضى والغضب بالإرادة ، وقيل له : يلزمك في الإرادة ما لزمك في هذه الصفات كما تقدم تقريره. وإذا تأول الوجه بالذات لزمه في الذات ما يلزمه في الوجه ، فإن لفظ الذات يقع على القديم والمحدث. وإذا تأول لفظ اليد بالقدرة ، يوصف بها الخالق والمخلوق ، وإذا تأول السمع والبصر بالعلم : لزمه ما فر منه في العلم. وإذا تأول الفوقية بفوقية القهر ، لزمه فيها ما فر منه من فوقية الذات. فإن القاهر من اتصف بالقوة